سمير عطا الله: بدأ حياته يريد الانتحار يأساً من البؤس الذي هو فيه. ثم تشرد في أحياء لندن. ونام على ارصفتها. ثم اشترى كيساً ينام فيه ويفترش الحدائق. وفي النهار كان يذهب الى المتحف لكي يضع كتابه الاول. وفي السادسة والعشرين نشر كولن ولسون «اللامنتمي»، وطارت شهرته في العالم ، وترجم الى معظم اللغات.

وفي سيرته الصادرة حديثاً بعنوان «الحلم من اجل هدف ما» يقول انه وضع مائة كتاب حتى الآن. لكنني اعتقد ان كولن ولسون سوف يدخل التاريخ والذاكرة الادبية تحت عنوان واحد هو «اللامنتمي». الكتب الاخرى كانت تكراراً او استفاضة لفكرة واحدة وثقافة واحدة برغم سعتها الهائلة. والحكم والهدف كانا واحداً لديه: ان يكتب.

عندما حاول الانتحار وهو في السادسة عشرة من العمر، ادرك ان جسده هو وعاء روحه. وليس من حقه ان يفصله عنها. وعاش يدرك دوماً هذه الحقيقة. تنقل ولسون في الاعمال المتواضعة: عامل بناء وبائع سجاد وعامل تنظيف. وفجأة اطلت الشهرة العام 1956. ومعها المال. والملاحقات الاعلامية. ورأى نفسه هذه المرة يهرب من الصحافة والشائعات والفضول. وانصرف الى العمل والابحار في نتاج الفلاسفة والمبدعين. ثم اصبح استاذاً ومحاضراً في جامعات اميركا وبريطانيا. واخذت دور النشر تلهث خلفه.

لعب كولن ولسون دوراً مؤثراً ما، في الحياة الثقافية العالمية. وكان هناك جيل عربي تأثر باعمال اواخر الخمسينات ومرحلتي الستينات والسبعينات. وفي تلك المرحلة ايضاً عرفت حركة النشر والترجمة ذروة الاهتمام بالنتاج الثقافي العالمي بصرف النظر عن المردود المادي. والتقى «اللامنتمي» لولسون «بالغريب» لالبير كامو و«الكلمات» لسارتر، او الغريب واللامنتمي الاول، الذي طبع تلك المرحلة بطابعه. غير ان ولسون لم يترك في بريطانيا الاثر الذي تركه سارتر او كامو في فرنسا وربما في العالم. لقد كان مجرد باحث لاعمال سواه ولم يتحول الى صاحب تيار او مدرسة. وفي مذكراته لا نعثر على مفاجأة واحدة او شيء لم نمَّر به من قبل. وهي ليست في النهاية اكثر من ملخص انتقائي للشخصية التي تكررت في معظم الكتب او المحاضرات او المقالات التي نشرها ولسون حول العالم.

قرأه مثقفون عرب كثيرون بنهم ولهفة. وتحول الى موضوع رئيسي في المقاهي والجامعات. ولكن ايضاً لم يكن له تيار او مدرسة في النقد او في الفلسفة. فقد انطفأ ولسون بالنسبة الى المثقفين العرب في نفس المرحلة التي انطفأ فيها بالنسبة الى المثقفين حول العالم. وغرق «لامنتميه» او «غريبه» في الرتابة والتكرار، بينما تحول «الغريب» لكامو الى عمل كلاسيكي. وظن سارتر لدى صدور «غريب» كامو بأن الفرصة قد سنحت لتدمير الرجل الذي اثار غيرته بوسامته ونافسه على الشهرة ، فشن حملة على كامو يتهمه فيها بالحملة على الستالينية والوقوف ضد اليسار. غير ان كامو كان قد اختار «يساره» واشتراكيته بعيداً عن الحقد والديكتاتورية والتدمير، وقريباً من الانسان والبشرية المعذبة. «الفرد اكثر اهمية من الافكار» حتى لو كانت افكار الرفيق لينين الذي رأى فيه برتراند راسل عندما قابله العام 1920 «مجرد ارستقراطي يحتقر في داخله الطبقات الكادحة التي ينادي باعلائها».