لا أظن ان مواطناً عربياً واحداً لا يتابع ما يجري في العراق، أو ما آل إليه الأمر هناك من دمار وفوضى واستباحة للحياة وللأرض والعرض والكرامة والحاضر والمستقبل، كلنا مع العراق حتى يخرج من هذا النفق المعتم..
وحتى يخرج فإن كل اخبار العراق أرضاً وشعباً، صارخة وخارجة على المنطق وعقلانية الأحداث والتاريخ، ألا يستوقف العاقل هذا العنوان: «الزرقاوي يعلن الحرب اللدود على الانتخابات في العراق»؟! انه العنوان الذي يشبه في استفزازه عنوانا آخر يقول: «بوش ملتزم بنشر الديمقراطية ومحاربة الطغيان»!!
ما الذي يحمل رجلاً يقال له الزرقاوي، الطالب الأردني الذي لم يكمل تعليمه الثانوي، والذي تنقل ما بين جبال أفغانستان والبوسنة وربما الشيشان، وأصيب أكثر من مرة، ولديه الكثير من الأزمات لأن يذهب إلى العراق ليعلن الجهاد والمقاومة من هناك؟ أم ان موضة الجهاد الأفغاني ولت لتحل محلها موضة الجهاد العراقي؟ سؤال، وهل يعقل ان رجلاً تخرج من مدرسة أفغانستان وكهوفها المعتمة ولا يحمل شهادة ثانوية ان يمسك بزمام كل هذه الأزمة والفتنة الكبرى في العراق لدرجة ان تتهمه «الـ «سي آي ايه» بامتلاك أسرار الأسلحة الكيميائية وتعتبره رقماً صعباً في المعادلة العراقية؟!
إذن فإما أننا لا نفهم شيئاً؟ أو ان المخابرات الأميركية والعربية تنظر إلينا على أننا مغفلون بامتياز حيث تمرر لنا هذه الفبركات الاستخبارية على طريقة أفلام هوليوود للتغطية على اللعبة الكبرى التي تحدث في العراق، بحيث تصبح أو تتحول إلى مسرحية كوميدية دامية عنوانها الزرقاوي ومصير العراق؟! هل صار العراق بكل عظمته وتاريخه ومجده لعبة بيد شخص أقرب للوهم مثل الزرقاوي؟!
فإما أننا لا نفهم شيئاً مما يحدث هناك، أو أننا مغفلون فعلاً!!
لماذا يعلن الزرقاوي الحرب اللدود على الانتخابات؟ لماذا لم يظهر مقاوم عراقي يحمل دلائل عراقية ووجهاً عراقياً ومشروع مقاومة عراقية حقيقية واضحة وغير ملثمة، وبعيداً عن مظلة الزرقاوي وبن لادن؟.. ثم ما مشكلة الزرقاوي مع الانتخابات العراقية؟ ما مشكلته في العراق أصلاً؟ من أعطاه تفويضاً ليناضل نيابة عن العراقيين؟ من اعطاه تفويضاً ليتحكم بمصير العراق؟ جهة واحدة تمتلك الجواب وتمتلك حق التفويض: العراق والعراقيون. فهل أعطوه ذلك التفويض فعلاً؟!!
ألا يبدو غريباً أننا حتى هذه اللحظة لم نسمع عن رجل رمز عراقي الوجه والملامح واللسان تطير شهرته ويذيع اسمه على كل الألسنة والشاشات والميكروفونات مثل الزرقاوي؟! فكما ولدت الزرقاء الأردنية رجلاً مثل الزرقاوي صار فجأة بطلاً ومناضلاً ورمزاً تلفزيونياً للجهاد في العراق، لابد ان تلد الموصل وبغداد والبصرة والفلوجة والرمادي و... بطلاً مناضلاً مقاوماً حقيقياً يدافع عن كرامة العراق وأرض العراق وأبناء العراق..
فهل عقمت المدن العراقية ان تلد هذا المقاوم، وصار الميدان كله للزرقاوي فقط؟ فالزرقاوي يذبح، الزرقاوي يقاوم، الزرقاوي يفجر، الزرقاوي يحرم الانتخابات، الزرقاوي يعلن الحرب على من يشارك فيها، صار الزرقاوي وكأنه أبوزيد الهلالي يصول في العراق ويجول وكأن لا أحد غيره ولا رجال في العراق إلا ايَّاه!!
اذن فإما أننا لا نفهم شيئاً، واما اننا مغفلون بامتياز، واما أننا لا نعرف من هو الزرقاوي فعلاً؟ فمن هو هذا الزرقاوي على حقيقته؟!
أليس غريباً ان يكون بطل مرحلة أفغانستان بن لادن السعودي، ثم يختفي نهائياً، ليطل الزرقاوي الأردني بطلاً لمرحلة العراق؟! وسوف يختفي بلاشك ليظهر على الساحة «بطل» آخر يحضر له المسرح منذ الآن.. فأين سيكون المسرح المقبل يا ترى؟!