أجرى الحوار أحمد نجيم: رأى شاكر النابلسي أن فضح الأصولية الدينية في العالم العربي كان نتيجة الرجة الفكرية ل11 سبتمبر وانتقد ركض رجال الدين قبيل ذلك التاريخ، وقال أنهم كانوا عندما يطالبون بالحساب على آرائهم السياسية يتحصنون بالمساجد، ليقينهم أن لا أحد يستطيع أن يقتلعهم منها كي يحاسبهم
رأى المفكر أن التغييرات والإصلاحات التي باشرتها الدول العربية كانت إجابة على مطالب خارجية لما بعد سقوط برجي نيويورك، ويعتبر ذلك نتيجة طبيعية في عالم نتأثر به ويؤثر فينا.
وبخصوص موضوع العلمانية في العالم العربي أوضح النابلسي أن النموذج التركي، رغم تجاوزاته في مرحلة التطبيق، يظل الأقرب إلى التطبيق، وأضاف في السياق ذاته أن فصل الدين عن الدولة طبق في أكثر من 60 في المائة من الدول العربية واقعيا. وشدد أنه يتعين قبل تطبيق الديموقراطية يجب نشر ثقافتها تفاديا لنفور المصوتين كما حدث في السعودية.
وشن هجوما عنيفا على المثقفين الذين يتهمونه بالتبعية لأميركا "هذا اتهام خسيس ووضيع وإشارة واضحة على عجز فكري وهروب من مقارعة الفكرة بالفكرة، وأضاف عندما يعجز بعض المثقفين عن مقارعة الفكر بالفكر، فأهون الطرق تصبح الاتهام بالعمالة والتجسس والاشتغال كاتبا للمخابرات الأميركية وجزءا من فلول الاستعمار. هذه حجة العاجز، نحن لا نتهم الآخرين بكونهم عملاء الأنظمة العربية.
تطرق النابلسي إلى مواضيع أخرى في حوار أجرته "الصحراء المغربية" معه بداية شهر دجنبر الماضي في مدينة مراكش، وهذا نص الحوار.

نظمت في المؤتمر الثالث لمؤسسة الفكر العربي ندوة عن "ثقافة التغيير وتغيير الثقافة" ، ألا تعتقد أن هذا العنوان ملتبس وفي حاجة إلى تحديد "التغيير نحو الديموقراطية" مثلا؟
لا أجد لبسا في عنوان "ثقافة التغيير وتغيير الثقافة"، فخلال أيام المؤتمر قدم ثلة من المثقفين والمعقبين والمتحدثين تعريفا لمدلول التغيير وتجلياته. إنه تغيير نحو الأفضل والأصلح في الميادين السياسية والتعليمية. تناول المثقفون التغيير الاقتصادي والتغيير الاجتماعي من خلال مواضيع حرية المرأة.
أعتقد أن المؤتمر غطى مجالات التغيير في العالم العربي. وأدعو أن تركز المؤتمرات المقدمة على هذه المجالات تركيز دقيقا، وينتقى، خلال كل مؤتمر، مجال من هذه المجالات والميادين مستقبلا.
تواكبون بالتحولات التي يعيشها العالم العربي ، حاول بعض المتدخلين تمرير فكرة مفادها أن التغيير في البلاد العربية داخليا ولم يفرض من الخارج. هل هذه الفكرة صحيحة؟
الإجابة على هذا السؤال متضمنة في سؤال آخر: ماهي حركات التغيير سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا في العالم العربي، منذ الاستقلال أوسط القرن الماضي إلى ما قبل 11 سبتمبر.
قبل ذلك التاريخ، نجد أصوات أحادية في العالم العربي تنادي بالتغيير العام ولكن لا من مجيب. والإجابة على مطالبها الإصلاحية كانت بتأثيرات خارجية، وأفتح قوس لأقول يجب أن لا نعيب على أنفسنا أن التغييرات حصلت نتيجة تأثيرات خارجية، وأن نعلم أننا نعيش على كوكب واحد في هذا العالم نتأثر به ونؤثر فيه.
ما حدث في العالم بعد 11 سبتمبر انعكس علينا. لم يكن ذلك مجرد حادثة تضرب قوة عظمى بهذه الشراسة، فشظاياها كانت قوية جدا ومتناثرة، بل كانت أخطر لأميركا من بيرل هاربر في 1941، رأى العالم كيف ردت أميركا على اليابان وكيف كان ردها بعد 11 سبتمبر. نعود إلى التغييرات التي شهدها العالم العربي بعد تلك التفجيرات الإرهابية. فالانتخابات التي كانت معطلة في كثير من البلدان العربية أجريت، والمنادون بالإصلاح كانوا منبوذين ومسجونين ومطاردين أضحوا من قرناء الحكام وأصدقائهم ومستشاريهم، تقام لهم المؤتمرات الوطنية وتنشر آراؤهم. وسقف الحريات في بعض البلاد العربية كان منخفضا فأصبح عاليا، والصحافة التي كانت تثابر كي تسكت عن المسكوت عنه بدأت ترفع الغطاء عنه. وفضح الأصولية الدينية التي كانت تساند بعض الأنظمة العربية لم يكن بهذا الوضوح وبهذا الجلاء.

ما هي تجليات هذا الفضح بعد 11 سبتمبر؟
نحن ككتاب لم يكن مسموحا لنا أن ندعو أو أن نطالب رجال الدين بعدم التدخل في السياسة. يجب عليهم أن يختاروا بين أن يكونوا رجال دين خالصين أو رجال سياسة خالصين. فرجل الدين يستعمله مطية للاستفادة من حرية أكبر ممكنة من مساحة الرأي كي يقول ما يشاء، وعندما نأتي كي نناقشه يعترض، ويشهر منصبه كرجل دين، في حين أن ما صرح به سياسة، وتعتبر الهجوم عليه هجوما على الدين، لذلك تلاحظ بأن رجال الدين عندما كانوا يطالبون بالحساب على آرائهم السياسية كانوا يتحصنون بالمساجد، ليقينهم أن لا أحد يستطيع أن يقتلعهم منه كي يحاسبهم. هذه نقطة مركزية، لذا أقول إذا أردت يا رجل الدين أن تدخل إلى السياسة فمرحبا، لكن عليك أن تتخلى عن وظيفتك كداعية كي أستطيع أن أتحاور معك، وكي تحاسبني وأحاسبك. هذا الكلام لم يكن مسموحا به قبل 11 سبتمبر، وأصبح بإمكاننا الإفصاح عنه بحرية، كان رجل الدين، المثقف الوحيد المحمي بالسلطة لأنه يشكل بالنسبة لمعظم الدول العربية الخطوط الدفاعية المتقدمة للسلطة.

لماذا لم يثر موضوع الإصلاح الديني؟
أثارت الندوة موضوع إصلاح التعليم الديني لا الإصلاح الديني، فالدين لا يصلح، لأنه ثابت ومطلق والإصلاح يتم في التعليم الديني. وهذا التعليم أقرب إلى القرون الوسطى منه إلى التعليم الحديث، فهو يركز على التلقين ولا يسمح بالتحليل، المطالبة بالإصلاح الديني هو إتاحة الفرصة لأكبر قدرة من المساحة كي يجادل ويفكر ويستنبط بعض الأحكام، زيادة على ذلك فالتعليم الديني في العالم العربي يسخر كثير من النصوص الدينية لخدمة الأنظمة القائمة ولتكفير الآخر ومعاداته، يعتبر العالم الإسلامي دار إسلام والآخر دار حرب، وهذه خطورة على العالم المتمدن ويهدد السلام العالمي. يجب أن نعترف أننا في قرية كونية واحدة ومصالحنا مشتركة.
نحن منطقة مهمة لأميركا لأننا نملك أهم ثروة في العالم، وهي النفط المحرك الرئيسي للحياة والاقتصاد العالمي، وهذه الثروة يجب أن تكون في يد قوة عادية دستورية منتخبة ديموقراطيا.

بالنسبة إليكم بلوغ هذه القوة الدستورية المنتخبة، هل يتم باعتماد النموذج التركي أو النموذج الأندونيسي؟
أعتقد تركيا أقرب إلى العالم العربي من أي بلد آخر. أما في موضوع إصلاح التعليم الديني والإصلاح الاجتماعي فتونس رائدة ويمكن أن نتبع إصلاحاتها في الأحوال الشخصية والتعليم الديني من خلال إصلاح جامعة الزيتونة. لكن التجربة الكبيرة والعظيمة هي تركيا خاصة في موضوع فصل الدين عن الدولة أنا مع التجربة التركية، ويجب مع ذلك أن يقتدي بها بحذر، فما حصل من تجاوزات بعد سقوط الخلافة الإسلامية في العشرينات على يد اتاتورك 1924غير مقبولة، إذ حول مجموعة من المساجد إلى متاحف، ومنع الحج لمدة ثلاث سنوات على جميع الأتراك.
وأشير أن موضوع فصل الدين عن الدولة طبق في أكثر من 60 في المائة من الدول العربية واقعيا، في مصر والدول المغاربية ومعظم دول الخليج وسوريا والعراق ولبنان الدين مفصول عن الدولة، لا تطبق حدودا شرعية. إنها دول علمانية فصلت الدين عن الدولة دون أن تعلن عن ذلك، فكل مناحي الدولة تجل من تجليات العلمانية.
لكن لا يجب أن نتهم بهذه الأمور، ونركز على مدى تفاعل المواطنين مع الإصلاحات السياسية، لننظر إلى المهزلة في الكويت، فالأمير يأمر بإعطاء حقوق المرأة كاملة ومجلس الأمة المنتخب يعارض ذلك. هذا الأمر جدير بالدراسة. وهناك تجربة حديثة في السعودية، عندما قررت أن تجري انتخابات بلدية وتفتح بابا للديموقراطية، نشر السعودي عبد الرحمن الراشد مقالا قال فيه أن لجان الانتخابات تشعر بخيبة لأن طالبي البطاقات الانتخابية قليل جدا، علما أن موضوع الانتخابات وحرية المرأة في السعودية يعرف مواكبة كبيرة في الغرب.
إذا قررنا إجراء انتخابات بلدية فأين المرشحون والمصوتون. هذا يوضح أن الوعي بالديمقراطية غير متوفر بشكل كبير في العالم العربي.
نحن كمثقفين نتكلم وندعو إلى الديموقراطية والشعوب لا تؤمن بها إيمانا حقيقيا، إذ تعرف البلدان التي تنظم انتخابات انخفاض نسبة المصوتين. يجب أن يسبق تطبيق آليات الديموقراطية إستراتيجية تتغيى التوعية والتدريب على الديمقراطية ونشر ثقافتها.

ننتقل إلى موضوع آخر، مجموعة من المثقفين العرب يتهمونكم ب"الولاء لأميركا" ما علاقتك بهذا البلد؟
عندما يعجز بعض المثقفين عن مقارعة الفكر بالفكر، فأهون الطرق تصبح الاتهام بالعمالة والتجسس والاشتغال كاتبا للمخابرات الأميركية وجزءا من فلول الاستعمار. هذه حجة العاجز، نحن لا نتهم الآخرين بكونهم عملاء الأنظمة العربية. هذا الاتهام خسيس ووضيع ورخيص.

لماذا يلجأ المثقفون إلى تلفيق هذا النوع من الاتهامات؟
إنها إشارة واضحة على عجز فكري وهروب من مقارعة الفكرة بالفكرة والحجة بالحجة، فأسهل الطرق للرد هو الاتهام بالعمالة واتباع نظرية المؤامرة المنتشرة في العالم العربي بشكل كبير. فالغرب ليس بحاجة إلينا كعملاء، إذ لديه من وسائل المعرفة ووسائل الإقناع بفكره وبسياساته ما يفوق قدراتنا المتواضعة كي يستخدمنا أسلحة من أسلحة الانتشار. إننا ندافع عن القضايا العربية بالدرجة الأولى لذا نلبي دعوات جميع المؤتمرات.
إننا لا نهتم بالمنابر لكن ما نقوله ونتداوله في هذه المنابر. بعض المثقفين لديهم حساسية من منابر معينة، مثلا وجهت إليهم دعوة إلى تلفزيون "الحرة" فرفضوا باعتباره تلفزيونا أميركيا، لكن، هذا التلفزيون يسمح لك بسب وشتم أميركا لماذا ترفض التعامل معه.
فأنا لبيت دعوة تلفزيون "المنار" و"الجزيرة" و"العربية" و"الحرة" وراديو سوا وقناة "إن بي سي" الاميركية. عندي قناعة، وهي يجب أن توظف لنشر الفكر، فهم يتخذون مواقف من تلفزيون "الحرة" يعاني من مقاطعة المثقفين العرب معاناة كبيرة، وهناك رفضا مسبقا، بل إن بعض فقهاء الإرهاب أصدروا فتاوى ضد تلفزيون "الحرة" ووصفوا من تعامل معها فهو كافر، إنها قناة تتمتع بالحرية أكثر مما تتمتع به قنوات أخرى.