“حراس النفط”، عنوان تقرير تلفزيوني طويل بثه التلفزيون الفرنسي الأحد الماضي، بل هو فيلم وثائقي تسجيلي صور كله على ارض العراق، باستثناء شهادتين لمسؤولين أمنيين فرنسيين، ولقطة لعائلة احد المعنيين في جنوب فرنسا.
من خمسة عشر الى عشرين الف رجل، هم مقاتلون محترفون، رجال مرتزقة ذوو خبرة عالية اكتسبوها في أماكن مختلفة من العالم، خاصة في افريقيا السوداء، يتوزعون في وحدات منظمة تابعة لشركات خاصة، أمريكية وبريطانية على ارض العراق. من عشرة الى خمسة عشر ألف دولار يتقاضى الواحد منهم، ويجندون معهم عددا كبيرا من العراقيين، ادلاء او رقباء يدفعون للواحد منهم مائة دولار.
المعلق يتحدث طويلاً عن وضع هؤلاء على الساحة العراقية، عن الشركات الأمريكية والبريطانية التي تجندهم من كل بقاع الارض ولكن بشكل خاص من فرنسا، استنادا الى خبرة المرتزقة الفرنسيين في افريقيا السوداء، كما يقول. خبرة تعكسها لقطة تجول فيها الكاميرا على مقتنيات هؤلاء في احدى ثكناتهم، واذا كتاب كبير يحمل صورة رامبو (رامبو الشاعر الذي جاء الى ميناء عدن ليتاجر بالعبيد !!) الى جانب كوفية سوداء يعلق عليها الصحافي قائلا : “يضعون الكوفية الفلسطينية للتقرب من الناس”.
المهمات التي يضطلعون بها غامضة، ولا يتجنب التقرير الإيحاء بقذارتها، لا يتجنب القول ان الذين قتلوا وأحرقوا في الفلوجة كانوا من هؤلاء، ومثلهم الرهينة الذي قطع رأسه.
مع زملائه الفرنسيين يجند سيلفان عدداً كبيراً من العراقيين، الذين يقومون بدور الادلاء او الذين ينشرهم على طول خط الانابيب للمراقبة : مئات من العراقيين تصور الكاميرا الجدول الذي نظمت به اسماؤهم لصرف الرواتب، ويتحدث الرجل بتعال عن محاولات من هؤلاء للتزوير، ولتقديم اسماء وهمية لتقاضي راتب اضافي.
راتب ؟ “مائة دولار” ويعلق: “العراقيون راضون ومكتفون بمئة دولار !! لكنهم يحاولون سرقتنا بأوراق مزورة” (!)، وعندما يسأله الصحافي عن رواتب المرتزقة يبتسم ولا يجيب، لكن الصحافي يجيب: “من عشرة الى خمسة عشر الف دولار”.
من جهة أخرى لا يتجول هؤلاء الا في سيارات مصفحة، مدججين بالسلاح، وتركز الكاميرا على اليد التي لا ترتفع عن الزناد داخل السيارة. في حين يقوم العراقيون بمهماتهم سيرا على الاقدام مسلحين بسلاح خفيف.
في اجازته، يعود الرجل الى اسرته في جنوب فرنسا، ليلعب الغولف بسعادة، لتحدثنا زوجته عن فخرها به، كما يحدثنا طفله الصغير عن العراق، وليقول هو ان ثمة فرقا شاسعا بين فرنسا الخضراء والصحراء العراقية (لم يقل له احد انها بلاد ما بين النهرين التي ألهت الخصب عندما لم تكن بلاده الا صحراء وكهوفاً). هنا ينتقل الفيلم الى التعليقات، ويبدأ بأحد رجال الأمن المتقاعدين، الذي يعبر عن اسفه لعدم وجود شركات فرنسية تجند هؤلاء وتوظفهم، مما يجعلهم يذهبون الى الشركات الأمريكية والبريطانية الخاصة، التي تحقق أرباحا كان من الاولى ان تعود لفرنسا. ويعيد هذا “التقاعس” الى عدم تجذر مفهوم “الدفاع الذاتي” في العقلية الفرنسية كما هو حال العقلية لأمريكية.
بعده يأتي أحد كبار رجال الاجهزة السرية المتقاعدين ليقدم قراءة اخرى للتقرير كله يضعها في نقاط:
* أولها ان عدد قوى المرتزقة التابعة للشركات في العراق يجعلها القوة الثانية بعد الأمريكيين (حتى قبل القوة البريطانية).
* ثانيها ان “خصخصة” الحرب هذه تمنح مرونة وحرية خطيرتين لقوى الاحتلال، خاصة للبنتاجون، لأن عمل مجندي المرتزقة لا يخضع للقوانين التي يفترض ان تخضع لها القوات النظامية، وفي مقدمتها الحصول على موافقة الكونجرس قبل خطوات محددة.
* وثالثها ان وجود هذه القوى يتحول عادة، كما حصل في افريقيا السوداء، الى قوة مضادة للديمقراطية، حيث يتم توظيفها لمنع منتخب اختاره الناس من البقاء في الحكم او لفرض آخر رغم ارادة الشعب.
أخيراً، ما لم يقله هذا الرجل الجاد، هو السؤال الخطير حول عدد الموساد والمجندين “الاسرائيليين” في جيش المرتزقة هذا. سؤال لا بد أن يتبادر الى ذهن كل عاقل، وقد وردت اشارة خاصة اليه في التقرير نفسه، عندما استعمل الرجل المتحمس لشركات تجنيد المرتزقة تعبير “الدفاع الذاتي”، اذ انه من المعروف ان هذا التعبير هو الذي تطلقه على نفسها الميليشيات اليهودية الخاصة والسرية، في أوروبا وأمريكا، وهي ميليشيات مدربة ومنظمة لها اطرها الادارية والتنظيمية ومعسكراتها و.. شركاتها.