جميلة هذه الفعاليات التي تقام بين الحين والآخر في مختلف مدن الدولة، وجميل أن نربطها بمدن مختلفة في العالم أو تكون حدثاً له صفة الدولية، مدينة العين تميزت منذ فترة بعيدة بريادة مثل هذه المهرجانات والفعاليات مثل مهرجانها السنوي، ومهرجان الزهور، واليوم بطولة العالم للاستعراضات الجوية، وأرى في الأعوام السابقة أن هذه الفعاليات لم تحظ بدعم إعلامي يواكب أهمية المدينة وأهمية الحدث، بصراحة كانت خارج مهنية الصنعة الإعلامية، وهذا مما أضعفها بحيث أن تراكم السنين وتعاقب تجاربها لم يعطياها صفة المهرجانات القوية وصداها المؤثر عند الناس وفي وسائل الإعلام، بل أستطيع أن أؤكد أنها لم تؤرشف ولم تؤرخ كوثائق شهدتها المدينة، كلما كان يقوم به الإعلام في الفترات الماضية أن يسجل للمطرب أبو براطم حفلته الفنية الساهرة، أو ينقل مباشرة تعوّجات المطربة المفتونة أم عقوص مقطقطة ، لكن اليوم وأتمنى هذا دائماً، أن تسير الأمور في نهجها الصحيح، خاصة في ظل وجود هيئة الترويج السياحي والدوائر المحلية الداعمة والشركات الوطنية المساندة لإنجاح مثل هذه المهرجانات، متمنياً أن تتولد وتتراكم التجارب من أجل نجاح يتفوّق على نجاح سابق·
نخرج من ثوب المهرجانات إلى فضاء خارجي لبطولة العالم للاستعراضات الجوية لنعمق سؤالاً فلسفياً دائم الحضور في ذهنية الإنسان منذ استقرّت قدماه على أرض اليابسة، لماذا يعشق الإنسان الطيران والتحليق؟ لماذا يتمنى أن يكون مثل ذاك الطائر السابح في السماء الزرقاء معتلياً هام السحب؟ لماذا حين يسأل الطفل عن ماذا يتمنى أن يكون في المستقبل تنبري على شفته إجابة واحدة ومحددة أتمنى أن أكون طياراً ثمة إبهار جميل تعطيه هذه السماء، لذا يصرّ الفتى العربي أن يصبح طياراً في المستقبل، لكن الأمر قد يكون مختلفاً عند فتى دانمركي ربما يفضل أن يكون ملاّحاً أو صياداً مثل أبيه، ربما أوضاع الوطن العربي هي التي سرّبت هذه الأمنية إلى نفوس الأطفال، ربما عشق العربي للعلياء والعزّة، وربما أشياء كثيرة، لكن الكثيرين الذين كانوا يتمنّون أن يكونوا طيارين في المستقبل طار بهم المستقبل، ولم يعودوا يتذكرون تلك الأمنية الصغيرة التي كانت تذوب في الفم كقطعة سكّر·
طبعاً ·· على أيامنا كلنا كنا نتمنى أن نكون طيارين، الضعيف في الإنجليزي أو الضعيف في الرياضيات أو ضعيف النظر أو ضعيف البنية، جميعهم كانوا يتمنون أن يصبحوا طيارين، وبعضهم كان يبالغ عن جهل فيقول أتمنى أن أكون طيّاراً ·· وأسوق الصاروخ، هذا الطفل كان عذره معه، أما المطرب الجاهل والشاعر الجاهل والملحن الجاهل، ثلاثي الجهل هذا فليس لديه عذر حين يشتركون في أغنية تنمّ عن جهل مبكر ومتأصّل، كأغنية دخيلك سايق الصاروخ·· ودّيني لحبيب الروح هو الصاروخ سيحمل من؟ أو من؟ السائق أم الحبيب الولهان أم طن القنابل·
ومن أشياء زمن الجهل والجاهلية أننا كنا نندهش حين يضحك علينا حرّوب ولد ما ياكل السح بجهله مؤكداً أن الملك حسين يطيّر طيّارته في الظلام، ونبقى مندهشين متعجبين، كيف له أن يصل إلى الأرض·
مضت تلك الأيام والطفل الصغير الذي ضيّع طيارة الورق بقيت عيناه ترنوان إلى السماء الزرقاء متتبعاً الخيط المقطوع وتلك الطائرة القرمزية التي طارت بعيداً·· عنه وبأحلامه الصغيرة··