يدفع لبنان اليوم ثمن الارتكابات الفاضحة التي بدأت في مطلع التسعينات ولم تتوقف بعد. وعلى من تعاقبوا على الحكم في هذه الفترة أن يقروا بأن الوضع ما كان ليصل الى ما وصل اليه لولا أياديهم البيض. والأمثلة كثيرة. لو طبق اتفاق الطائف واحترمت بنوده وروحيته لما وصلنا الى القرار 1559. لو بنيت العلاقات السورية - اللبنانية على أسس صحيحة بعيداً عن المدّاحين والمبخرين ومتسولي المقاعد والحقائب لما طرحت العلاقات اليوم كمشكلة. لو أعيد النظر في التقسيمات الادارية واعتمدت المحافظة في قانون الانتخاب لما تفتقت عبقرية أهل السلطة عن العودة الى قانون 1960 وما يعنيه من عودة الى القضاء... والقدر.
يدفع لبنان اليوم ثمن ارتكابات متمادية كان يمكن تجنبها. فلو شكلت الحكومات على قاعدة الوفاق الوطني لما تصاعدت نغمة المغبونين الجدد وحديث الاستقواء والتمييز والتهميش. ولو لم يتم استدراج سمير جعجع الى القضاء عبر كمين تفجير الكنيسة لما كانت هناك قضية اسمها سمير جعجع. ولو ترك للقضاء أن يبت سريعاً في الاتهامات التي سيقت ضد ميشال عون، وهي اتهامات لم يصدقها مطلقوها أصلاً، لما واجهت السلطات حالياً عقدة ميشال عون.
تذكرت السلطات اللبنانية متأخرة أن من حق اللبنانيين أن ينتخبوا بحرية بعد ممارسات قامت على تفريخ النواب وتهريب الأزلام الى المجلس وتنصيب ممثلين يفتقرون الى الشرعية والصدقية. وتذكرت أن القضاء يجب أن يكون نزيهاً بعدما أسرفت في استخدامه لمآربها السياسية واستنزفت صورته وهالته. وتذكرت وجوب عدم المساس بالمال العام بعدما شهد لبنان على مدى عقد ونصف عقد عملية نهب واسعة يتندر اللبنانيون بحكايات أبطالها.
ليذهب اللبنانيون الى صناديق الاقتراع ولتحترم ارادتهم. ومن يدري فقد يكون اعتماد القضاء، وكنا نتطلع الى صيغة أفضل، مناسبة ليكون الانقسام السياسي داخل كل طائفة ومذهب بدل أن تتوحد ضد طائفة أخرى أو مذهب آخر على قاعدة الغبن والغلبة. ولتترك للمجلس الجديد فرصة التصحيح الشامل.
تبقى مسألة بسيطة. من حق اللبنانيين ان يطالبوا بعض السياسيين بالكف عن البكاء على الانصهار الوطني. ومن حقهم أن يطالبوا بوقف الكلام المعيب عن مخاطر عودة الحرب الأهلية فضلاً عن الكلام عن «بوابات الجحيم». يستحق لبنان حكماً أفضل وحكومة أفضل وبرلماناً أفضل ولا يمكن بناء المستقبل بهذا القدر من الشعوذة والتهريج وجبال الأكاذيب.