هل تنعكس احداث اوكرانيا ايجابا على سوريا؟ ليس بمعنى ان تجري فيها انتخابات ديمقراطية، بل ان تتحقق صفقة اسلحة روسية تستفيد منها دمشق في سعيها لتحقيق التوازن العسكري بينها وبين اسرائيل.
قبل ان يغادر الرئيس السوري بشار الاسد الى موسكو في زيارة دولة تستمر ثلاثة ايام، قال ان بلاده لن تسعى للحصول على الصواريخ الروسية. وان التصريح الاخير لوزير الدفاع الروسي سيرغي ايفانوف يشير بوضوح الى عدم وجود مثل هذه الصفقة، وانه بالتالي سيبحث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الوضع في العراق وايران، الجهود السلمية في الشرق الاوسط، والارهاب الدولي، وقال الاسد: «ان روسيا تتحمل مسؤولية تجاه شؤون العالم بما فيها الشرق الاوسط».
وكان تردد انه كرد فعل على دعم اسرائيل للحركات السياسية المناهضة للكرملين في اوكرانيا وروسيا، يفكر الرئيس الروسي بوتين في بيع انظمة صواريخ لسوريا، وان الصفقة قد تتم اثناء زيارة الاسد الى موسكو. وبغض النظر إن تمت الصفقة أم لا، فإن قرار بوتين يظهر قلق روسيا من التحركات الجيو ـ سياسية التي تقوم بها الولايات المتحدة في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق والدور المهم الذي تلعبه اسرائيل في هذا المجال.
ان نشر خبر بيع صواريخ روسية لسوريا، مع العلم بان روسيا توقفت عن بيع اسلحة لدول غير قادرة على الدفع سلفا... ورغم ما تردد من ان ايران مستعدة ان تتكفل بتكاليف الصفقة التي قد تبلغ ملياري دولار، يبقي الامور حتى الآن في نطاق المناورات وتحمية الترقبات واعلاء السقف بانتظار عقد القمة المنتظرة في الرابع والعشرين من الشهر المقبل بين بوتين والرئيس الاميركي جورج دبليو بوش عندما سيقوم الاخير بزيارته المرتقبة الى بروكسيل للاجتماع بالزعماء الاوروبيين وقادة الحلف الاطلسي. لكن مجرد التفكير ببيع الصواريخ، ولسوريا بالذات، يعني ان السياسة الخارجية لبوتين عام 2005 قد تختلف عن السنوات السابقة، وان ما حدث في اوكرانيا قد يكون السبب.
ينظر الكرملين الى كييف (العاصمة الاوكرانية) كمسألة استراتيجية لروسيا، لذلك اذا كانت الولايات المتحدة لم تبال وتدخلت في المصالح الروسية الاستراتيجية، فإن تغيير السياسة الروسية المعتمدة، يصبح حقا مكتسبا. وفي هذا المفهوم، يبدو «الغزل» الروسي لسوريا في محله، فالاميركيون يعانون من التصرفات السورية في العراق، والحدود السورية ـ العراقية تقلقهم، كما ان اسرائيل ما زالت تعتبر سوريا عدوا يدعم حزب الله وكل الفصائل الفلسطينية، التي تصر اسرائيل على انها ارهابية. لذلك فإن بيع روسيا صواريخ لسوريا يصيب المصالح الاميركية والاسرائيلية معا.
تاريخيا، يعتبر الربط من الممارسات الديبلوماسية الروسية. ويعوّض الروس عن ضعفهم في منطقة عبر الضغط في منطقة اخرى يتفوقون فيها. وخلال المرحلة السوفياتية كان الربط اساس السياسة الروسية، وردا على ما جرى في اوكرانيا اختارت روسيا ان ترد في العلاقة مع سوريا.
المعروف انه بسبب الضغوط الاميركية والاسرائيلية ومع سياسة روسيا الموالية للغرب، لم تبع موسكو انظمة عسكرية اساسية لسوريا خلال السنوات الماضية، ثم ان الهجوم السياسي الذي يشنه بوتين ضد الاوليغارش الروس، واغلبيتهم من اليهود ويحملون الجنسية الاسرائيلية، لم يعكر نمو العلاقات بين موسكو وتل ابيب، مع العلم بان حكومة بوتين اجبرت ثلاثة من الاوليغارش على مغادرة روسيا (بوريس بريزوفسكي، وفلاديمير غوزنسكي، والكسندر سمولنسكي) وزجت برابع في السجن (ميخائيل خضروفسكي المالك السابق لشركة يوكوس)، انما ظل هناك عدد كبير من الاوليغارش الحاملين ايضا للجنسية الاسرائيلية، يمارسون الاعمال في روسيا ويتمتعون بحماية بوتين، لكن عندما بدأت اسرائيل سرا تدعم القوى السياسية المعارضة في روسيا تغير موقف بوتين.
وكانت الاجهزة الأمنية الروسية توصلت الى ان اسرائيل دعمت المجموعات المعارضة في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق وبالذات في اوكرانيا وروسيا، ويقول مصدر غربي اوروبي ان بوتين في البدء تجاوز ذلك، لكن الاحداث في اوكرانيا، حيث لعب الاوليغارش الروس الحاملون للجنسية الاسرائيلية دورا اساسيا في انجاح «ثورة البرتقال»، جعلت بوتين يتخذ موقفا آخر، خصوصا انه تم ابلاغه ان هؤلاء وبالذات بريزوفسكي وسيمن موجيلفيتش (اليهودي الاوكراني) صاحب الجنسية الاسرائيلية، يخططون مع حلفائهم، اسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة، لـ «ثورة» مماثلة في روسيا، وانه ستتم الاطاحة به والمجيء بنظام روسي موال علانية للغرب يعيد للاوليغارش «امجادهم وكل ثروات روسيا».
هنا، حسب المصدر الاوروبي، دخلت على الخط سوريا، التي يشعر رئيسها انه مهدد من تل ابيب وواشنطن، «وهو منذ سنتين يلح على بوتين لبيعه انظمة صواريخ روسية واسلحة اخرى لتقوية سوريا ودفاعاتها».
لائحة التسوق العسكري التي طرحتها سوريا تضم: صواريخ اس. اس ـ 26 اسكندر ـ اي، وهذه قصيرة المدى (174 ميلا) ويمكن ان تحمل رؤوسا تقليدية ونووية، وترغب سوريا بالحصول على 18 صاروخا من هذا النوع، فاذا حصلت عليها فإنها حسب المصدر «تغطي كل اسرائيل بما فيها مفاعل ديمونا، ورغم ان نشر سوريا لهذه الصواريخ، اذا تمت الصفقة، لن يرجح ميزان القوى لمصلحة دمشق، الا انه يخفف من التفوق الذي تتمتع به اسرائيل». لكن بوتين يدرك ان بيع هذا النوع من الانظمة قد يثير واشنطن قبل تل ابيب، ويوتر علاقات روسيا بهاتين الدولتين ويعني بالتالي انه تجاوز تردده في تحدي الغرب، ويمكن ان يشهد العالم مواجهة جديدة بين روسيا والغرب. ويرجح محدثي ان لا تتجاوز الصفقة مرحلة ما تردده التقارير الاعلامية.
الطلب السوري الثاني هو الحصول على نظام صواريخ اس ـ 300 القادر على استشفاف الصواريخ الباليستية من مسافة 25 ميلا، وترغب سوريا في الحصول على عدة بطاريات في كل منها 46 صاروخا من هذا النوع. ويقول المصدر الغربي، ان عشر بطاريات توفر غطاء جويا دفاعيا جيدا للقوات السورية في الجولان ودمشق و... لبنان، لكن، بسبب ضعف القدرات الدفاعية السورية، فإن نشر هذا النوع من الصواريخ لن يساعدها في الوصول الى توازن قوى عسكري مع اسرائيل، واذا باعت روسيا هذه الصواريخ لسوريا، فإن ردة الفعل الاميركية وكذلك الاسرائيلية لن تكون جد غاضبة، فهذه صواريخ دفاعية.
هناك احتمال بأن تقبل سوريا بالحصول على صواريخ جوالة، دفاع جوي وضد الدبابات. وحسب المصدر الغربي، حصلت سوريا في السنتين الماضيتين على عدد من الصواريخ الروسية المضادة للدبابات (متيس ـ ام ـ 1) و (كورنيت ـ اي) وترغب في الحصول على المزيد، كما انها تريد الحصول على صواريخ للدفاع الجوي (اس ـ اي ـ 18 ايغلا)، وكذلك الامر، فإن حصول سوريا ونشرها لهذه الصواريخ قد يزيد من قدراتها الدفاعية، «لكن لن يؤثر على توازن القوى بينها وبين اسرائيل».
ان بيع صواريخ مضادة للدبابات وصواريخ ايغلا لسوريا قد يؤدي الى مشاكل جدية تواجهها اسرائيل، خصوصا اذا ما قررت سوريا ان تشرك بهذه الصواريخ حزب الله والفصائل الفلسطينية، ويمكن ان يصعّد التوتر اكثر في العراق اذا ما وجدت هذه الصواريخ الجوالة طريقها الى هناك، لكن حسب المصدر الغربي، فإن بيع بوتين هذا النوع من الصواريخ لسوريا يكشف ان رد فعله محدود على التهديد الاستراتيجي الذي تشكله اميركا على النفوذ الروسي في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.
السوريون يقولون انهم لا يرغبون في عقد صفقات اسلحة، ومن المستبعد ان يتم الاعلان عن اي صفقة خلال زيارة بشار الاسد الاولى لموسكو منذ تسلمه الحكم. ثم ان بوتين لا يهمه ان لا يبيع اسلحة الى سوريا، خصوصا انها لم تف بديونها السابقة بعد، لكنه يريد من واشنطن وتل ابيب التوقف عن التدخل في الشؤون الروسية الداخلية، واذا كانت اسرائيل عبرت عن استعدادها، عبر اقنية سرية لتخفيف دعمها لتحرشات الاوليغارش، يبقى ان نرى ما اذا كانت ادارة بوش الثانية مستعدة لمثل هذا الالتزام والتوقف عن غزواتها الجيو ـ سياسية ضد روسيا الضعيفة. وبانتظار القمة بين بوتين وبوش ربما يقدم بوتين وعودا للاسد بأن روسيا ستبيع بعض الاسلحة الى سوريا، لكن هذه الوعود لن تكفي سوريا او تجعلها تعبر المرحلة الحرجة التي تمر بها، مع العلم بان التدخل العسكري الاميركي «مستبعد الآن» ضد سوريا، الا ان وضعها الداخلي غير مريح حتى مع عودتها الى التشدد الأمني الصارم. ولو تحققت خلال الزيارة او لاحقا صفقات اسلحة متطورة جدا، فإن كفاءة الجيش السوري على استيعابها غير مناسبة، إلا اذا رافق هذه الاسلحة خبراء روس، وهنا ندخل مرحلة جديدة غير واردة روسياً!