محمد حنفي: لا يوجد موضوع تسيطر عليه الأساطير الشعبية مثل الجنس.. ومن هذه الأساطير تلك التي تشير إلى وجود علاقة بين أنواع محددة من الطعام وزيادة القدرة الجنسية: مثل الربيان، والأستاكوزا، والجرجير، والحمام، والأفوكادو، والموز، والعسل، والتمر، ضمن قائمة طويلة وربما لا حصر لها لهذه الأطعمة الجنسية التي يتعامل معها الكثيرون كأنها منشطات جنسية.
فمن أين جاءت هذه الأساطير؟
وما وجه الحقيقة في الأمر؟
يكفي أن يقول أحدهم أن ليلة دخلته غدا حتى تنهال عليه النصائح بأن يتناول أنواعا محددة من الأطعمة.. بل ان في بعض البلاد العربية قوائم وطنية لهذه الأطعمة الجنسية التي ينصح العريس بتناولها في ليلة الدخلة. والأفلام العربية القديمة والحديثة أيضا مرجع لهذه الأصناف،حيث ينصح الأصدقاء والأقارب العريس الجديد بأكل الحمام والمأكولات البحرية مثل الربيان والكابوريا والاستكاوزا والأخيران كانا عنوانين لفيلمين مصريين شهيرين من بطولة الفنان أحمد زكي.
بل ان فيلم «النوم في العسل» الذي لعب بطولته الفنان عادل إمام مع دلال عبد العزيز وحقق نجاحا كبيرا ومازال يعرض في الكثير من الفضائيات العربية وهو يناقش قضية الضعف الجنسي الذي ينتاب الرجال فجأة، فما كان من زوجة مدير مباحث العاصمة إلا أن ضحت بميزانية البيت لتعد مأدبة حافلة بالكثير من الأصناف البحرية التي تمتلئ بها «شبرة السمك» حرصا على رجولة زوجها الذي سخر من الأمر في مشهد رائع يجسد هذا الاعتقاد الشعبي الراسخ حول العلاقة بين أنواع محددة من الطعام والقدرة الجنسية.

*لا تزرعوا الجرجير
ولكن كيف ربطت المعتقدات الشعبية هذه العلاقة؟ وهل جاءت وفقا للمثل القائل «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب؟»
دعونا نسأل هذه المرة طبيبا متخصصا وهو الدكتور عبداللطيف السليم استشاري العقم والضعف الجنسي عن هذه العلاقة الغريبة. يقول د.السليم:
ـ منذ القدم تنتشر الأساطير والأقاويل والمعتقدات الشعبية التي تربط بين أنواع معينة من الطعام وزيادة القدرة الجنسية لمن يتناولها وهذا يحدث في ثقافات كثيرة وليس في مجتمعاتنا العربية فقط، فنحن نسمع عن تأثير المأكولات البحرية والجرجير وبعض أنواع المكسرات والعسل وغذاء الملكات وغيرها من الأطعمة، ويبدو أن ما يحدث هو ترويج لبعض الأطعمة من باب الدعاية والتسويق.
ففي مصر مثلا حيث يتمتع الشعب بخفة الظل يقال «لو عرفتم قيمة الجرجير لزرعتموه تحت السرير» ويبدو أن وراء انتشار هذه العبارة الظريفة بائع جرجير أراد ترويج بضاعته بها فاستقرت في الوجدان العام ونحن نعلم أن النكتة تنتشر من مصر إلى العالم العربي بسرعة ولا أجد تفسيرا آخر لهذه المقولة الطريفة.
وهناك دليل على خطأ هذه الأقاويل.. ففي دول آسيا الفقيرة جدا التي يعاني فيها الأفراد الدخل المنخفض ويعيشون تحت خط الفقر لا يستطيع هؤلاء تناول الربيان أو الأستاكوزا أو حتى اللحوم إلا كل عدة شهور أو ربما سنوات، وعلى رغم ذلك نجد أن هذه الدول تعاني انفجارا سكانيا مدهشا وهو أفضل رد على هذه الأساطير التي تربط بين بعض أنواع الطعام وزيادة القدرة الجنسية.

*غذاء متوازن.. أداء أفضل
ويواصل د.السليم كلامه قائلا:
ـ انتشرت في السنوات الأخيرة الكثير من الكتب التي تروج هذه الأساطير وتربط بين أنواع معينة من الطعام وزيادة الكفاءة الجنسية لدى الرجال، وأكثر هذه المعلومات منقولة من كتب التراث ومن دون تمحيص أو تدقيق علمي. وللأسف فهذه الكتب تلقى رواجا كبيرا بين الناس حتى من المثقفين، فأمام الوهم والأسطورة الجنسية يصاب الجميع بالضعف وكلنا سواء لا فرق بين جاهل ومتعلم.
وهنا يجب أن أشير إلى أهمية العامل النفسي في الموضوع، فلدى البعض نفسية ضعيفة ومهزوزة مما يجعل أصحابها يسعون وراء هذه الأقاويل ويصدقونها ويمارسونها وينشرونها أيضا بين المحيطين بهم وهؤلاء لديهم قابلية لتصديق هذه المقولات.
لكن المهم أنه لا يوجد أي دليل أو أساس علمي على أن أنواعا معينة من الطعام تفيد في تحسين القدرة الجنسية، والحقيقة المعروفة للجميع أن الغذاء هو مصدر الطاقة للإنسان والغذاء الجيد المتنوع المتوازن الذي يشتمل على جميع العناصر الغذائية من بروتينات وكربوهيدرات مع تناول الخضراوات والفاكهة التي تشتمل على الفيتامينات المختلفة يساعد الجسم على أداء وظائفه بصورة جيدة، وبالتالي يساعد على أداء أفضل فيما يتعلق بالعملية الجنسية.

*الإعلام والإعلان
سألت الدكتور خضر البارون الاستشاري النفسي عن هذا العامل النفسي الذي أشار إليه د.السليم: هل هذا العامل يمكن أن يصور للبعض أن تناول أنواع معينة من الطعام تجعل حالته النفسية جيدة وبالتالي تنعكس على قدرته الجنسية؟ فقال:
ـ نعم يحدث ذلك كثيرا لدى الكثيرين وما أكثر الأساطير المنتشرة في حياتنا خصوصا فيما يتعلق بالغريزة الجنسية التي تستبد بالكثيرين فيصبحون ضحايا لها فيجرون وراء هذه الأساطير. ولذا لا يجب أن يتعجب البعض حين يسمع أن البعض يسافر إلى العديد من الدول بحثا عن أنواع معينة من الأطعمة أو المنتجات التي يعتقد أنها تنشط القدرة الجنسية لديه، فالأمر هنا يكبر في كل يوم حتى يسيطر على عقلية الشخص تماما.
وللأسف فالإنسان في هذا العصر ضحية لوسائل الإعلام والإعلانات.. ففي الكثير من المسلسلات والأفلام نجد ما يعزز هذه الأساطير الشعبية وقد جرت صياغتها بعناية وبأسلوب ماهر وتتمتع بخفة الدم فيشاهدها الملايين ويتأثرون بها خصوصا من أصحاب الشخصيات المهزوزة الذين لا يمتلكون الثقة الكافية بأنفسهم، فانظر كيف ترمز هذه الأعمال إلى تناول الأسماك أو كيف يقوم العطار بصنع خلطة تعيد الشيخ إلى صباه إلى آخر هذه الإيحاءات الجنسية التي توصي بأنواع معينة من الطعام والمنتجات من دون سند علمي دقيق.
كما أن الإعلانات البعيدة عن الرقابة تقوم بدور آخر في تثبيت هذه الأقاويل وتدور أغلبها حول الكثير من المنتجات الغذائية التي تقوي القدرة الجنسية ولو عن طريق التلميح وليس التصريح. وهؤلاء يدرسون نفسية السوق جيدا ويعرفون أن الإنسان يبحث عن القوة والفحولة الجنسية مهما تقدم به العمر فيقدمون له ما يريده وما تهواه نفسه.

*أكثر الاعتقادات شيوعا بين الناس
سألنا مجموعة من الأشخاص عن أهم الأطعمة التي يعتقدون أن تناولها يساعد في زيادة الكفاءة الجنسية وخرجنا بالقائمة التالية:
ـ عسل النحل
ـ غذاء الملكات
ـ الخس
ـ الجوز
ـ الاستاكوزا
ـ التمر
ـ الكرفس
ـ البصل
ـ القرفة
ـ الزنجبيل
ـ الربيان
ـ الجرجير
ـ الجينسنغ
ـ الكابوريا
ـ الحمام
ـ الزعفران
ـ الرمان
ـ الحمص
ـ البيض