واحدة من مشكلاتي انني لا اكترث عندما يضيع منَّي شيء. كان هذا يثير جنون أمي عندما كنت صغيرة.. بعض الناس يهلعون، ويمضون أوقاتا لا بأس بها باحثين عن شيء أضاعوه.. بالنسبة لي يبدو انني لا اهتم بأي شيء افقده. ربما كان ذلك هو السبب الذي يظهرني جبانة بعض الشيء. هذا ليس حقيقيا، حقيقة ليس كذلك. لست جبانة علي الاطلاق. لو كنت اهتم، لحاولت قليلا او كثيرا البحث عن اشياء افقدها. الامر فعلا انني لا اهتم، هذه هي المشكلة، اما كيف نشأ اهتمامي هذه المرة، حين دخلت الي حجرة تغيير الملابس في احد المحلات، وعدت لاكتشف اختفاء هاتفي النقال من حقيبتي، فالأغلب ان جزءا مني يمكن القول، قد كره فكرة انني جبانة، والجزء الاخر هو انني كنت انتظر مخابرة خارجية ضرورية.
مدام، حدا فات عالمحلَّ لما كنت عم قيس البنطلون؟ تلفوني كان هون بالشنطة، وما عم لاقيه؟
المدام التي توجهت لها بالسؤال، المسؤولة او ما شابه، والتي يخلو المحل الا منها، لم احبها منذ لحظة دخولي. كانت قبيحة، وعمرها مئتا سنة، وباستطاعتها ـ كما اعتقدت ـ ان تشوه وجهك اذا اتيحت لها الفرصة. ان حياة النسوة القبيحات صعبة للغاية، لكنني لم اشعر بالشفقة نحوها.
ما حدا فات حبيبتي، فتشي منيح، أو يمكن نسيتيه بالبيت أو بشي مطرح قبل ما تجي لعَّنا .
لم أشعر بالرغبة في ان ابدو لطيفة. كان واضحا انها تري فيَّ ضحية سهلة، وكان ذلك يبعث علي الجنون. بعثرت اغراض حقيبتي للمرة الثالثة من دون ان اعثر علي التلفون، ووقفت يائسة احدق بها، فيما انفلتت الي خلف طاولتها في حركة انهماك كاذب بالنقر علي الآلة الحاسبة. كانت من النوع الذي يدعك الي غضبك، وبدت رابطة الجأش.
وددت لو ساورها شيء من الندم، وتقدمت الي لتعترف بأنها الفاعلة. هذا لا يعني انني كنت سأفعل شيئا لو عرفت. الارجح، في هذه الحالة انني سوف اتقدم اليها واقول: حسنا، ماذا لو ارجعت لي ذلك البورتابل اللعين. اغلب الظن انني بعد ذلك، سوف افتح خزانة الطاولة، وابحث عن تلفوني الذي تكون قد اخفته تحت الأوراق او شيء كهذا.
مدام، هلق كنت عم تلفن قبل ما فوت، وبما انو ما حدا إجا بعدي، ما في حدن غيرك أخدو!!
انا مش عارفة عن شو عم تحكي . قالت لي بعد ان رشقتني بنظرة نارية واضافت: انت غلطانة حبيبتي، نحنا مش سراقين .
شعرت ان علي ان ازلزل فكها المتهدل بضربة محكمة. لكنني لم املك الجرأة الكافية لأفعل ذلك. استمريت في التحديق بها لكي ابدو صعبة المراس ونمرودة وبدلا من ان احطم رأسها، تمتمت بكلمات حادة ومهينة. وكلما ازدادت صمتا كلما زاد غضبي ولم اجد مفرا سوي الجلوس علي الكرسي بجانبها محدقة بها وانا أهز رأسي استنكارا.
أود ان اساعدك ـ قلت لها ـ صدقيني، هاتي البورتابل، وسوف اتركك وامضي الي شأني ـ اردفت ـ حين لمحت دمعتين كبيرتين تنسالان علي خديها فجأة، محدثتان ثلمين في طبقة الكريم الكثيف المطلوس علي وجهها.
نهضت واقفة وقد بدأت اشعر باشفاق شديد نحوها. غير انني لم استطع الاقتراب منها، ان احضنها او ما شابه، لاننا ما زلنا علي طرفي نقيض، فهي سارقة وانا مسروقة، وبسبب ايضا من كونها كبيرة في السن، الامر الذي يمنعني من التعاطف معها، وكذلك بسبب قبحها وبلوزتها العارية الصدر وتظهر جلدها المجعلك وتلك الرائحة الفظيعة لعطرها الداعر التي تفوح في كل المكان.
اسمعي يا قلبي ـ قالت لي ـ انا لست سارقة او شيئا من هذا القبيل. كل ما هنالك انني امر حاليا بفترة صعبة. كل الناس يمرون بمراحل واشياء كهذه، اليس كذلك؟
ما ذنبي انا ايتها السيدة تمرين او لا تمرين في فترة صعبة اريد تلفوني الان.. العمي.. يا عيب الشوم. ثم ما هي هذه الفترة الصعبة التي تجعلك تسرقين اغراض الناس؟
Pardon يا قلبــي، سامحـــيني ارجوك سأرده لك. سامحيني الله يخليك، يلعن ابو ها الوقت وهاالبلد، صارت الواحدة منا اما ان تبيع شرفها او تسرق.
تبيعي شو؟ شرفك؟ أي شرف يا ست، ومين بدو يشتري شرفك وانتي بها العمر؟ ناسية إنو عمرك الف سنة؛ بعدين مش عيب ست كبيرة وبتمدي ايدك علي اغراض العالم، ما خايفة يجيبولك البوليس او يطردك صاحب المحل.
حبيبتي، انا صاحبة المحل ـ قالت لي ورمتني بنظرة مخبولة تماما، اخافتني ـ تفضلي.. هيدا تلفونك، ما تواخذينا ومع السلامة.
رنّ تلفوني في اللحظة التي رقد فيها في راحتي كحمامة مقتولة. آلو.. اي.. منيجة، مزاجي كتير منيح، عظيم، لبنان؟ بيجنن لبنان، كل شي تمام.