لم تكتمل نهائياً صورة الإدارة الأميركية الجديدة. غير أن الملامح المعروفة عنها تكفي للزعم أن جورج بوش عازم على المضي في lt;lt;الثورة المضادةgt;gt; داخلياً، وعلى تحويل أميركا إلى قوة تغيير لا قوة استقرار خارجياً وفي العالمين العربي والإسلامي تحديداً.
لقد انزاح مركز الثقل في الإدارة إلى اليمين. نعم، هذا ممكن.
لا يمكن فهم تعيين كونداليسا رايس من مدخل أنها قريبة إلى الرئيس وتتأثر به أكثر ما تؤثر عليه. المدخل الأصح هو استذكار أنها جاءت بدلاً عن كولن باول بعد أن كانت تحاول إيجاد نقطة توازن بينه وبين تحالف المحافظين مع المحافظين الجدد. لم يعد هذا التحالف يواجه قوة جدية تساجله. صحيح أن رايس عيّنت روبرت زوليك رجلاً ثانياً في الخارجية، وصحيح، أيضاً، أنها تجنّبت ترقية جون بولتون. ولكن الأصح أن زوليك جاء بدل ريتشارد أرميتاج وهو أحد الأوزان الثقيلة في الجناح الجمهوري الواقعي.
إلى ذلك فإن التعيينات في الاستخبارات المركزية، وفي وزارة العدل (لها دور مميّز في lt;lt;محاربة الإرهابgt;gt;) تؤشر بوضوح إلى هذا الانزياح اليميني في مركز الثقل. لقد نجح بوش في أن يجد من هو أسوأ من جورج تينيت، وهذا سهل، ومن هو أسوأ من جون أشكروفت، وهذا صعب جداً.
ويستدل على صحة ما تقدم ببقاء دونالد رامسفيلد في الدفاع، لا بل تدعيم موقعه، وفي الدور المتعاظم الذي يلعبه نائب الرئيس ديك تشيني. لقد lt;lt;احتكرgt;gt; رامسفيلد معظم ما اشتكى منه أميركيون وأوروبيون في الولاية الأولى (تبرير حرب العراق، التخطيط لها، إدارة ما بعدها، ارتباك الأيام الأولى للاحتلال، أبو غريب، استفزاز الحلفاء، احتقار الأمم المتحدة...) ومع ذلك اختار بوش الاحتفاظ به علماً أن متشددي المحافظين الجدد كانوا لا يمانعون في تغييره.
يقدم روبرت زوليك، في الخارجية، وستيفن هادلي، مستشار الأمن القومي الجديد، فكرة عن تعمّق الاتجاه اليميني. من هما؟
زوليك موروث من الولاية الثانية لرونالد ريغان. تقلّب في مناصب متعددة جعلته، باستمرار، مطلاً على المفاوضات التجارية الدولية. إنه قريب جداً من أوساط رجال الأعمال وسبق له العمل في بيوتات مالية كبرى. إلا أن اقترابه من هذه البيئة لم يكسبه lt;lt;دماثةgt;gt; التجار.
ليس زوليك من إيديولوجيي الليبرالية القصوى. إنه أخطر من ذلك. فهو معها، وحصراً، إذا كانت تخدم المصالح التجارية للشركات الأميركية الكبرى. ولذا فهو لم يمانع في الإقدام على إجراءات حماية ودعم عندما اقتضت تلك المصالح ذلك. يدافع عن ضرورة امتلاك الولايات المتحدة الأرجحية في كل شيء ويفعل ذلك بغرور لا يطاق (التفاوض معنا امتياز)، وقد انتقد بيل كلينتون لرفضه الاستفادة التجارية القصوى من التفوق الأميركي العسكري.
يمكن أن ننسب إلى زوليك أنه تحدث عن lt;lt;الشرgt;gt; وlt;lt;الحرب الاستباقيةgt;gt; قبل غيره. كتب قبل سنة من استلام بوش السلطة: lt;lt;إن سياسة خارجية جمهورية حديثة تعترف أن الشر موجود في العالم. إنه يتجسّد في قوم يكرهون أميركا والأفكار التي تدافع عنها. نواجه، اليوم، أعداء يعملون بجهد لتطوير أسلحة نووية وبيولوجية وكيميائية وكذلك الصواريخ القادرة على إيصالها... إن الذين يحرّكهم العداء أو الرغبة في الهيمنة لن يتجاوبوا مع العقل والنية الحسنة. سيتلاعبون بالمجتمع الدولي وقواعده الحضارية
لأهداف تعادي الحضارةgt;gt;. كان هذا رأيه قبل 11 أيلول وانعطافة بوش.
روبرت زوليك هو أحد الموقعين على البيان الشهير أواخر التسعينيات المعروف باسم lt;lt;مشروع القرن الأميركي الجديدgt;gt;. والمشروع، لمن لا يتذكر، حشد عدداً كبيراً من المحافظين والمحافظين الجدد الذين احتلوا مواقع مفصلية في إدارة بوش الأولى وتعزز وجودهم في الثانية. كما أن زوليك هو من موقعي الرسالة الصادرة في 1998 والداعية إلى إسقاط النظام العراقي.
إن انتقال زوليك إلى الخارجية سيدعم الميل الأميركي إلى التركيز على الانفتاح الليبرالي بصفته أحد أبرز المفاتيح لتغيير lt;lt;الشرق الأوسط الكبيرgt;gt; (أي لاستتباعه اقتصادياً فوق ما هو مستتبع). قال تعليقاً على تفجيرات 11 أيلول: lt;lt;اختار الإرهابيون قصداً مبنيي مركز التجارة العالمي كهدف. وإذا كانوا نجحوا في تقويض البرجين فإنهم لن يهزوا أسس التجارة الدولية الحرة. إن جوابنا هو الرد على الخوف والذعر، والرد يكون بالتجارة الحرةgt;gt;!
ليس ستيفن هادلي أفضل من زوليك. يشترك معه في الصلات المنفعية المباشرة مع رجال الأعمال، ولقد كان شريكاً في مكتب محاماة يتولى أعمال الشركات الكبرى لصناعات الأسلحة (مع جيمس وولسي!). دخل العمل العام في عهد ريتشارد نيكسون ثم عمل في وزارة الدفاع أيام بوش الأب مع ديك تشيني. يعتبر من الصقور المتشددين، وقد دافع عن lt;lt;حرب النجومgt;gt;. أيّد إنتاج الأسلحة النووية التكتيكية واستخدامها في مسرح المواجهة بما في ذلك ضد دول غير نووية وذلك خلافاً للمعاهدات الدولية. هادلي الذي عمل في مجلس الأمن القومي مع رايس كان شديد الصلة بكل من مكتبي تشيني ورامسفيلد وكان واسطة نقل آراء المحافظين الجدد إلى البيت الأبيض. لقد كان حاضراً بقوة في ترويج الأكاذيب التي صوّرت العراق lt;lt;خطراً داهماًgt;gt; ودفعت نحو تبرير الحرب.
يمكن، من كتاباته ومداخلاته، استخلاص محاور تفكيره في ما يخص الشرق الأوسط:
إن أي فرصة للتقدم في الشرق الأوسط مرتبطة بتشجيع الحرية والديموقراطية وتقدم الحرب على الإرهاب. إن العقبة الكبرى هي إيديولوجيا الإرهاب والقتل الجماعي والكراهية.
إن قرارنا هو lt;lt;نقل الحرب إلى العدوgt;gt;. يتوجب توسيع المعركة وتوسيع الانتصار.
من أبرز معالم الفشل السابق مقاربتنا التاريخية للشرق الأوسط. لم نهتم بسلوك الأنظمة القمعية. لقد آن الأوان للتخلي عن همّ الاستقرار على حساب الحرية.
الديموقراطية والإصلاح في صلب مقاربة الرئيس للنزاع العربي الإسرائيلي. لقد خرج بوش عن المألوف، ورفض الفكرة القائلة إن التفاوض حول الحدود هو نقطة الانطلاق للتقدم نحو حل شامل. بات الرئيس يعتقد أن نوعية الحكومة الفلسطينية مهمة للسلام بقدر أهمية الحدود.
ثمة حسابات يتوجب تصفيتها مع إيران وسوريا.
هذا غيض من فيض lt;lt;الوعيgt;gt; الجديد في مراكز القرار في واشنطن. وهو وعي يحسم في أن الولاية الثانية ستكون أكثر عدوانية من الولاية الأولى.