أخشي ان اقول ان اكثرنا حداثة، يعيش قدرا من التخلف الاجباري بوعي او بغير وعي. ففي مواجهة افكار ومفاهيم اصحاب التخلف الاختياري انت مرغم علي العودة الي الوراء عددا من السنين ربما كان بالعشرات او بالمئات، وذلك لمناقشة مفاهيم وافكار كانت سائدة في ذلك الوقت ثم حدث ان تخلص منها بقية سكان الارض بعد ان اكتشفوا عجزها عن مواكبة واقعهم، فاكتفوا بوضعها في مخزن الافكار، ولا يطرأ علي بالهم الاستعانة بها الا في حالة واحدة فقط هي عندما يكونون في حاجة لمراجعة البديهيات. أؤكد لك ان اكثر الكتاب العرب حداثة، مرغم معظم الوقت علي الحديث في البديهيات.

*ما زلت أتكلم عن الدولة
الدولة هي المحتكر الوحيد للعنف، ولا يحمل سلاحا في الدولة الا تشكيلاتها المسلحة او لمن ترخص لهم من الافراد، هذه بديهية سياسية وحق لسلطة الدولة لا فصال فيه او مساومة او وجهات نظر. هذا هو السلاح الشرعي الوحيد في المجتمعات وما عداه لا شرعية له ومصدر للخطر. وبذلك يكون التحذير من نزع سلاح المقاومة حديث خرافة لا يعترف بالدولة بوصفها المسؤول الوحيد بكل مؤسساتها وتشكيلاتها واداراتها عن حماية شعبها. والمشاركة السياسية في السلطة لا تعني ان تقتطع قطعة منها لحسابك او لحساب جماعتك او فصيلك هي ليست غنيمة او كعكة - تأخذ منها حتة - بل هي عمل ومجهود شاق تحتمها روح المسؤولية، المشاركة في السلطة تبدأ قبل الوصول الي السلطة، بدأت عندما قاطعت الانتخابات وطلبت من الناس الا تذهب الي صناديق الانتخابات، ولم تستجب الناس لذلك واندفعوا جميعا للإدلاء بأصواتهم، والآن عليك ان تلتزم انت وجماعتك بكل ما تطلبه منك الدولة التي تمثلها سلطة انتخبتها الناس كما في حال السيد محمود عباس بالتحديد.
ان من يحصل علي توكيل لبيع سلعة مشهورة في بلد ما او في منطقة ما يكون في حماية القانون، ومن حقه ان يقاضيك - طبقا لكل قوانين العالم- عندما تستخدم علامته التجارية او علامة تشبهها لأن هدفك في هذه الحالة هو ان تفسد عليه تجارته وتضيع امواله وان تربح انت بغير حق فما بالك عندما تكون وكيلا عن الشعب نفسه، اختارك الشعب لتكون وكيلا عنه تحقق له مصالحه وتبعد كل ما ينغص عليه حياته ابتداء من جلاء قوات الاحتلال ووصولا الي حياة يومية هادئة ومثمرة. ان اي تعاون في حق الدولة يعطي الحق للموكل وهو الشعب الفلسطيني في سحب التوكيل في الانتخابات القادمة، هذا هو ما يدركه ابومازن وهو ايضا ما يشعره بالقوة.
لا أحد في الدولة يحمل السلاح سوي تشكيلاتها المؤهلة لذلك ومن ترخص له من الافراد وذلك تحت بند يعرفه الناس في مشارق الارض ومغاربها هو سلاح الحماية الشخصية وهي تحرص عند اعطاء هذا الترخيص لشخص ما علي دراسة الظروف التي تدفعه الي طلب الحماية، بالاضافة بالطبع للتحريات الطويلة عن شخصيته وأبعاده النفسية حتي لا يتحول السلاح في يده الي وسيلة لإرهاب الآخرين والنيل من سلطة الدولة بوصفها المحتكر الوحيد للعنف.
لقد وكل الشعب الفلسطيني الرئيس محمود عباس للدفاع عنه ولخوض معركة يقاوم فيها كل ما يتعرض له الشعب من اخطار، وهو توكيل وقعه الشعب كأفراد في وضح النهار وامام العالم كله، وفي وجود ممثلين لكل شعوب الارض، واذا لم نعترف له بأنه الوكيل الوحيد للشعب والدولة فمعني ذلك باختصار ووضوح اننا لا نعترف بالشعب ولا بالدولة، وتكون المقاومة هنا موجهة ضد الشعب وضد الدولة بما يترتب علي ذلك من فوضي عاني منها الشعب الفلسطيني طويلا.
علي المثقفين في الجماعات الثورية السياسية والعقيدية في منطقتنا، ان يدركوا متغيرات الواقع وان يعلموا ان خير شعوبهم يتحقق فقط بتحولهم من الايمان بالفكرة المجردة الي اعتناق الشرعية الدستورية، ان املي كبير في ان يفكر المثقفون الثوريون في حتمية هذا التحول واهميته، وهذا الأمر ليس بجديد فلقد عرف التاريخ زعماء ثوريين تمكنوا من التحول في الوقت المناسب الي قادة دستوريين حققوا الاستقلال والامن والرخاء لشعوبهم كما عرف ايضا المصير المؤلم لمن عجزوا عن ذلك، ان انفعالات التفكير الثوري لذيذة وعلينا ان نقاومها بقوانين العقل والتفكير في مصلحة الناس العامة والا كنا نعمل فقط بدافع من تركيباتنا النفسية وعقدنا الشخصية.
بغير الدولة، الشعب الفلسطيني معرض للضياع بالمعني المادي للكلمة، والشعب الفلسطيني وحده هو المسؤول عن اقامة هذه الدولة من خلال من يختارهم من وكلاء، لم يحدث في التاريخ ان قامت دولة ما حتي لو كان اسمها امريكا باقامة دولة لشعب اخر لاستحالة ذلك عمليا ولمجافاته لطبائع البشر، بالطبع ستجد من يساعدك ولكن تأكد انه لا احد سيساعدك ابعد من ذلك. منذ عشرة اعوام تقريبا في حوار علي الهواء مع السيد خالد مشعل قلت له: يا سيدي - انت تتكلم كثيرا عن شعبنا الفلسطيني - وهذا يحق لك فقط عندما تنزل الي الشارع وتحصل علي اصوات الناس لتحكمهم باسمهم، من المستحيل وجود سلطتين في فلسطين لأن المركب اللي فيها ريسين تغرق.. ان الصدام بينكم وبين السلطة حتمي.
ولكنه اكد ان دم الفلسطيني علي الفلسطيني حرام وان هذا الصدام لن يحدث واعترف انه كان صوابا، انا فقط الذي لم يكن يدرك طبيعة السلطة الثورية في ذلك الوقت وعجزها عن التخلي عن ثوريتها، لقد تصورت انها تعمل جادة علي اقامة الدولة، في الوقت الذي حرصت فيه علي ان تظل ثورية بكل سيئات الثورية وان تعيش جنبا الي جنب في وفاق مع كل المنظمات الثورية.
والآن اطلب منه ان يدخل التاريخ من اوسع ابوابه بأن يتحول لزعيم دستوري مسلح بالدستور والقانون من اجل تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني.