ظهر في حياتنا المعاصرة كثير من الملوثات، فهناك تلوث للبيئة، تلوث غذائي، الا ان ابرز واخطر تلك الملوثات كان التلوث الفكري الذي تعرضت وتتعرض له دول كثيرة بدرجات مختلفة ومتفاوتة. وفي هذه الحقبة الزمنية المتسارعة والمتصارعة والبالغة الأهمية العاصفة بالاحداث والمتغيرات التي تحيط بنا، ظهرت تلك الاعراض غير المتوقعة، وما ان تفجرت حتى اصبنا بالدهشة والذهول، فهذه الاحداث الاجرامية الارهابية هي نتاج فكر فقد بوصلته واتجاهه نحو الطريق الصحيح، مقاطعا للحق، فكر جامح بجهله، يحل سفك الدماء، ويشيع الخوف والرعب في محاولة يائسة لوقف عجلة التنمية والتطوير والازدهار التي يرنو اليها مجتمعنا في هذه الفترة العصيبة من عمر الزمان لاجتيازها واللحاق بركب التطور المتسارع ..فحبذا الفكر والعلم والتخطيط لمستقبل واعد افضل.
وطننا اجتاز محنا عديدة وتخطى عقبات منذ سالف عهده بداية من قساوة البيئة وشح الموارد الاساسية، غاص في البحار، وتحمل مشقة الصحراء بحثا عن لقمة العيش، حتى تفجرت الارض ذهبا لتبدأ منها مرحلة بناء الدولة الحديثة، اشراقة عهد ازدهار ورخاء، تطوير وبناء، سلاحه العلم واشاعة العدل والامان، حتى غدا هذا الوطن الصغير بمساحته جنة، وفي فترة قياسية اصبح يضاهي اكثر الدول حضارة وتقدما في جميع المجالات، اصبح دار امن وامان، والحضن الدافئ لكل الهاربين والمستضعفين والشرفاء الباحثين عن السلام والامان وكسب لقمة العيش الشريفة.
وبفضل القيادة الرشيدة، والثقة المتبادلة بين الحاكم والمحكوم سارت سفينة التطور والازدهار لبناء الدولة الحديثة على أسس راسخة ومتينة، وتجلت اكثر ما تجلت تلك العلاقة الراسخة في اقسى المحن وابرزها حينما تعرض وطننا الغالي للغزو الصدامي الغاشم.
العاصفة التي تجتاح اليوم، وما يطلق عليها الارهاب الاسود، ايقظت الخلايا الارهابية النائمة، ونحن كجزء من هذا العالم، علينا ان نسلم اليوم بان مجتمعنا لم يعد ذلك المجتمع البريء الطاهر، شأنه شأن باقي المجتمعات التي تعاني من وجود الخير والشر، الصالح والطالح، البريء والمذنب، وما كان ينبغي لنا التهاون كدولة تحيط بها، وتنطلق من ارضها ايضا تلك الافكار الشاذة وتترعرع بين ثناياها اجواء وطرق ومسالك وخبايا، تصبح مجالا خصبا لانتشارها فللجغرافيا، كما يقولون، هناك لغة وللتاريخ وما يشوب صفحاته ماضيه وحاضره وجود تلك العوارض وهي ليست بجديدة، والعالم اليوم اختصرت فيه المسافات واصبح «قرية كونية»، اختصر فيها الزمن، كسرت الحواجز، وبفضل الثورة التكنولوجية ونقل المعلومة، نقل الخبر والاحداث، نقلت المعلومات، ونقل الفكر بكل فوارقه وتبعاته، اختلط الحابل بالنابل، ونهل كل من بيئته وغير بيئته، تواردت المشارب، ومن هنا أتت وترعرعت «الافكار الدخيلة» عبر غسل الأدمغة ووجدت فئة لا ثبات لها ولا هوية، عديمة التجربة، غُرر بها (بأفكار سوداوية ملوثة) غرهم اصحاب تلك الافكار ووجدوهم صيدا سهلا لكل من يصطاد في الماء العكر، اضلوا وضللوا.. قادة فكر ملوث يتحملون وزر هؤلاء الذين يعيثون في الارض اليوم فسادا، قتلا وتدميرا، حولوا تلك الطاقات الشابة، والسواعد الفتية الى صيادي وقناصي البناء والتعمير والازدهار، تحت غطاء ديني او عقائدي ولأغراض مموهة وغير واقعية، الدين منهم براء، وكل الشرائع السماوية تدينهم وتجرمهم والتاريخ لن يغفر لهم، ندعو الله سبحانه وتعالى ان يهديهم الى طريق الصواب، فعلى مدى التاريخ كان الارهاب عرضا زائلا، وقد مرت الانسانية في تاريخها بالكثير من التجارب الا آن هذه التجارب كانت كسحابة سوداء لا تلبث ان تنقشع عندما تشرق شمس الحق ثانية، ويبقى التاريخ وحده الشاهد والرقيب، وهو الضمير الحي الذي لا يداهن، لا يزيف، بل يسمي الاشياء باسمائها على سجل صفحاته المتراكمة!