يدفع العراق ثمن فشل كل الاطراف المعنيين بالوضع المأسوي فيه. يدفع اولاً ثمن فشل الامم المتحدة في منع ادارة الرئيس جورج بوش من اطلاق الحرب في العراق. يمكن الحديث هنا عن فشل الدول الكبرى المعارضة للحرب في منع مغامرة كانت تبدو مكلفة قبل انطلاقها. ومنذ ذلك الفشل تراقب الامم المتحدة العراق بالمنظار خصوصاً بعدما استهدف ممثلها هناك وعاد جثة.
ولفشل الامم المتحدة عواقب وخيمة في الحاضر والمستقبل خصوصاً حين تكتشف الدول الصغرى ان المنظمة الدولية لم تعد تصلح حتى لتعليق الدموع على مبناها الزجاجي.
يدفع العراق ايضاً ثمن الفشل الاميركي. فالآلة العسكرية التي نجحت في سحق نظام صدام حسين بسرعة قياسية اظهرت عجزاً فاضحاً عن ايجاد بديل سريع وأظهرت عجزاً فاضحاً عن قراءة تعقيدات التركيبة العراقية ومشاعر العراقيين.
صحيح ان الاميركيين يدفعون حالياً في العراق ثمن فشلهم في اختراع بديل عراقي قادر وشبه مقنع لكن الصحيح ايضاً هو ان العراقيين يتفردون بدفع الثمن الباهظ. وبصورة اوضح يمكن القول ان اميركا لا تزال قادرة على احتمال خسائرها في العراق في حين يجوز التساؤل عن قدرة العراق على احتمال خسائره.
يدفع العراقيون ثالثاً ثمن العجز العربي عن التأثير في الاحداث. لا بد من الاعتراف بأن منع الحرب في العراق كان مهمة تفوق قدرة العرب. لكن الاكيد هو ان العرب لم يتمكنوا ايضاً من حشد تأييد دولي لانعاش دور الامم المتحدة في بلد عربي كان يتجه بوضوح نحو الغرق في فوضى دامية او نزاعات مذهبية وعرقية. في اي حال لا يمكن اعتبار الفشل ضيفاً غريباً ومفاجئاً في دفاتر جامعة الدول العربية، فرائحة الفشل جزء من تراثها ويومياتها.
اخطر من كل ما تقدم هو ان العراق يدفع اليوم ثمن الفشل العراقي ايضاً. لقد توهم العرب، وربما العالم، ان العراقيين الذين خرجوا الى الشوارع فرحاً بسقوط نظام صدام حسين سيستخلصون العِبر من تجربتهم الطويلة والمريرة في ظل الديكتاتورية وماكينتها المتوحشة. خال كثيرون ان العراقيين سيتبادلون التنازلات والضمانات والتطمينات لتسهيل اعادة ترتيب البيت العراقي. والمقصود بترتيب البيت صيغة ديموقراطية للتعايش تحفظ وحدة البلاد وتقر بتعددية الانتماءات.
لم تظهر الفاعليات العراقية على اختلاف انتماءاتها قدرة على مواجهة مهمة بحجم ايجاد تسوية جديدة ونظام يتسع للجميع. ذهب بعض العراقيين الى المقاومة من دون ان يتمكنوا من المحافظة على طابعها العراقي. انطلقت المقاومة بتفويض شعبي ناقص جعلها حكراً على المثلث السني ثم جاء الزرقاوي ليخطف حق التحدث باسمها وتسجيل الضربات المدوية ضد بعض العراقيين اولاً وضد الاميركيين ثانياً. لم يقدّر زعماء السنة العرب خطورة الانسحاب والمقاطعة والاحجام والوقوع في حرب الزرقاوي. وتمسك زعماء الشيعة بموعد الانتخابات كفرصة للوصول الى السلطة والشرعية ولم يحاولوا ابرام تسوية تاريخية مع شركائهم في الوطن. ودفعت مرارة التجارب الزعماء الاكراد الى البقاء أسرى التجارب المؤلمة والحسابات الفئوية.
يدفع العراق ثمن فشل الدول القريبة والبعيدة ويدفع ثمن الفشل العراقي ايضاً. وعلى رغم المرارة التي نشعر بها ونحن نحصي يومياً عدد القتلى العراقيين فإن اكثر ما نخشاه هو ان نستيقظ ذات يوم لنسجل سقوط قتيل اسمه العراق.