هل تشن الولايات المتحدة هجوماً عسكرياً على إيران؟ مع التورط الأميركي الخطير في العراق ربما يبدو طرح هذا التساؤل غريباً أو غير ملائم، لكن مجموعة «المحافظين الجدد» النافذين في إدارة بوش والذين يقودون السياسة الدولية الأميركية لحساب الحركة الصهيونية العالمية لا يفكرون بهذه الطريقة، فهم يعتنقون عقيدة مفادها ان حماية الدولة اليهودية الإسرائيلية.
وفرض تفوقها على العالم العربي والإسلامي بأسره أمر يتطلب شن حرب بعد حرب إلى نهاية غير معلومة. ولو كان هؤلاء ينظرون للعالم من خلال حسابات المصالح القومية للولايات المتحدة.
وليس من خلال الأجندة اليهودية العالمية لماذا دفعوا هذه القوة العظمى على طريق شن حرب على العراق يعلمون سلفاً أنها، أولاً، ليست مسنودة دولياً، وثانياً إنها قد تلحق ضرراً بالغاً بمصالح الولايات المتحدة.
من هذا المنظور فإن شن حرب أميركية على إيران ـ حتى مع التورط الأميركي في العراق ـ لا ينبغي أن يكون مستبعداً تماماً رغم ما تنطوي عليه مثل هذه الحرب من مخاطر جسيمة، فإيران تجاوزت ـ في نظر المحافظين الجدد في واشنطن ـ أكبر خط أحمر أميركي في منطقة الشرق الأوسط، وهو كسر الاحتكار النووي الذي تنفرد به إسرائيل.
ورغم أن البرنامج النووي الإيراني لا ينتج أسلحة نووية، إلا أنه سيكون قادراً على ذلك خلال بضع سنوات، كما يقول الخبراء الأميركيون والإسرائيليون، مما يتطلب بالتالي، من وجهة النظر الأميركية ـ الإسرائيلية توجيه ضربة استباقية إلى إيران.
المحافظون الجدد منهمكون الآن في تصعيد الحملة السياسية والإعلامية ضد إيران وكأنهم يهيئون أذهان العالم بما يعيد إلى الأذهان تلك الحملة المماثلة التي شنت على عراق صدام قبل الغزو بشهور قلائل.
ويقول باتريك سيل المحلل الصحافي البريطاني الشهير إن أية خطة أميركية لضرب إيران لن تشتمل على هجوم بري يؤدي إلى تورط قوات أميركية في الأراضي الإيرانية ويشعل مقاومة داخلية كما هو الحال في العراق. الضربة سوف تتخذ شكل هجمة جوية «جراحية» على أهداف محددة ومنتقاة تشمل بالطبع ـ وكأولوية قصوى ـ المنشآت النووية.
ولا يستبعد سيل خياراً آخر وهو أن تقوم إسرائيل بتنفيذ الضربة بمساندة أميركية، ويقال إن وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد يعمل بصورة لصيقة مع ضباط إسرائيليين لتحديد المواقع الإيرانية التي ينبغي استهدافها.
ومن المفترض ان أية خطة أميركية تتضمن بالضرورة ردود الفعل الإيرانية المحتملة وكيفية التعامل معها.
لكن ردود الفعل الإيرانية قد تفوق توقعات المحافظين الجدد، وفي هذا الصدد ينبغي التوقف عند تصريح لنائب قائد قوات الحرس الجمهوري الإيراني، يقول الجنرال محمد باقر إن إيران لديها عشرة ملايين متطوع للقيام بعمليات استشهادية، ومغزى هذا التصريح يتطابق تقريباً مع استخلاص أورده باتريك سيل قال فيه ما نصه:
«لا أحد يعتقد أن القوات المسلحة الإيرانية بتجهيزاتها العتيقة ستكون نداً للولايات المتحدة في أي حرب تقليدية، ولكن أي هجوم على إيران سيطلق شرارة حرب عصابات ومقاومة يمكن أن تشكل تهديداً جدياً للمصالح الأميركية والإسرائيلية حول العالم».
وفي هذا السياق نستطيع أن نتصور شيئاً مما يمكن أن يحدث في المنطقة في حالة هجوم أميركي أو إسرائيلي على إيران. فسوف تلقي إيران بثقلها الكامل في العراق للتحالف مع قوى المقاومة العراقية رغم الخلاف المذهبي.. وسوف يحدث غليان في لبنان يدفع بالمقاومة المتمثلة في «حزب الله» وغيره باستئناف الهجمات على إسرائيل بصورة تصعيدية.
لذا نفهم لماذا طالبت صحيفة «نيويورك تايمز» بتدخل «الأعضاء الأكثر حكمة في إدارة بوش» قبل فوات الأوان.