الحلم أن ينذثر السحرة والمشعوذون، بعد ما أشبعوا الناس دجلا وقضوا على جيوبهم، وبعد ما اصبح معظمهم يركب سيارات فارهة، ويحمل البطاقات الائتمانية على ظهور المسطحين والعاجزين عن مقارعة الواقع، غير ان الواقع لا يجزم بانقراض هذا النوع من البشر، وأعترف بوجودهم وبأنهم يرتادون كثيرا من الدول ويحلون بالأجنحة الفخمة في فنادق الخمسة نجوم، وربما عرفتم لماذا؟
لكن ان يقارع العلم والمختبرات والكيمياء بخور السحرة وسبحاتهم وطلاسمهم، فكيف يتم هذا؟ انه اعتراف بقصور التركيبة الذهنية للانسان وخصوصا المرأة. فعندما تقصر بها الحيل، وأشدها عذابا الوصول الى قلب الزوج وعقله، فإن العلم لا سواه قد اخترع “عطرا” ساحرا ايضا يؤدي الى جلب الزوج الغائب، والبعيد عن العقل والمتنكر لأيام الشباب. هذه الرائحة، باختصار، تختزل أسابيع السحرة والبحث عن النجوم في افلاكها في بخة سحرية ايضا. إنها تعيد ما أذابته الأيام وأراقت فورته السنون، حين توصلت باحثات الى تركيبة كيمائية تفرز مع رائحة الجسم ما يبعث على بث الروح في المشاعر الباهتة. وحين نجحت التجربة على نساء صغيرات، ذهبت الأبحاث الى اضافة تلك المادة ومزجها بعطر اسموه “فيرمون10.13”، ووصل الى نساء اكبر عمرا ويعانين من الترهل بكل مآخذه بما فيه العاطفي، بعد ما اعاد اليهن شركاء العاطفة والبيت واستحضر ما أخفاه الزمن.
الحقيقة التي صحبت هذه الدارسة ان أجساد البشر والحيوانات على السواء تفرز مواد يمكن للهواء نقلها حين يتعرف الى اصحابها من بعد، كما ان الباحثة جون فرايبلي من جامعة هارفارد، وسوزان راكو الطبيبة من نيوتن بولاية ماساتشوستس الأمريكيتين، قد درستا سلوك 44 امرأة، وقسمتاهن فئتين مختلفتين بهذا العطر بعد ما أضافتا لقسم منه هذا المركب الكيمائي والآخر من دونه، والنتيجة المحزنه ان فريق الوهم من النساء الذين اعتقدوا انهن حصلن على عطر التركيبة الكيمائية السحرية، كن قد حصلن على مجرد عطر بإضافة مركب وهمي، كانت 14% منهن قد ادعين ان حياتهن تبدلت في لحظات بفعل التجاوب العجيب!
الغريب ان الأسواق المنتفعة دائما تجد لها زبائن حاضرين كيفما أرادت رغبة الاحباط ان توجههم، وأن مثل هذا السلوك والاندفاع يبدو موصولا بحياة روتينية ممله، يشتكي منها معظم الازواج قبل الزوجات.
وإن كان في الدراسة من محرّض، فلا اظنه في مكنون هذا المستحضر، ولا يمكن للعلم ان يصبح طرفا ثالثا في علاقة ثنائية يفترض انها تبدأ بعفوية تتصادم بها المشاعر والفطرة الانسانية، لكن الدرس من مثل هذه الإشارات، هو أن هناك خللا يحاصر مثل هذه المؤسسات العائلية، والتي تنتقل من شراكة للسعادة حتى وإن تحولت الى وهم، الى شراكة للتعاسة وربما كانت بواعثها وهماً محضاً ايضا.
والأهم من ذلك ان وتيرة الحياة الثابتة وضمان استمرار هذا المشوار هما النهاية القاتلة التي لا ينفع معها مشعوذ حقيقي بطلاسمه، او خلطة كيمائية تجلب روائح الفارين من معتقلات الملل التي ستجد طريقة في تباعد الخطا والسباق مع الريح هربا من الموت البطيء.