عمت الساحة الكلامية طروحات متعددة غايتها التحريض على الجار العراقي، كل حسب نفسيته. فقد كان الحديث سابقا عن تمدد عسكري اميركي، ينطلق من العراق. الا ان الايام اثبتت خطأ هذا التنظير، دون ان ينفي تماما حقيقة تزايد اهتمام واشنطن بحال المنطقة. وخلال فترة التحريض، كان يقال ان الهدف تقسيم العراق.
دارت الايام ايضا لتثبت انه تم الامساك بوحدة العراق بقوة السلاح، في وجه ذئاب خارجية وضباع داخلية، تريد الاستقلال بأي قطعة أرض ترفع علمها بعيدا عن بغداد.
خلال نحو عامين نصبت فزاعات كثيرة : العراق سيقسم ، وستقسم دولكم مثله ، العراق سيكون قاعدة عسكرية وستكون بلدانكم هدفها، العراق سيكون نموذجا انتخابيا هدفه تثوير شعوب الجيران. في النهاية العراق بقي للعراقيين، وجاء يوم تاريخي يقرر فيه الناس كيف يريدون بلدهم، دستورا ونظاما ورجالا. هذه هي المرة الأولى التي تمنح دولة عربية كل الخيارات المهمة لمواطنيها. وعلينا ان نتذكر ايضا انه لم يستخدم الوضع الأمني المتوتر ذريعة لفرض نظام طوارئ سياسي، يمتع اصحابه بحكم مطلق.
الآن، وبعد ان مضى المشروع الانتخابي قدما، صار التخويف الجديد القديم هو تصدير الثورة الديموقراطية للمنطقة، كما حاول الايرانيون الخمينيون من قبل تصدير الثورة الدينية. السؤال: هل يفترض ان يخاف الجيران من ديموقراطية عراقية؟
نعم ، على دول المنطقة ان تقلق اذا كانت لا تفكر الا فقط في اغلاق حدودها، بدل اصلاح احوالها الداخلية. فالعراق كان او لم يكن، فان العالم يسير قدما لاسباب متعددة ، ويتوقع ان يسير في صفوفه الجميع. التجربة الديموقراطية التي تولد وسط ظروف قاسية، ومغموسة في الدم ، يحتاج اليها العراقيون ، كون بلدهم متعدد الاعراق، ورثوه منهارا في نظامه ، ومؤسساته ، وامكانياته، وعلاقاته الداخلية. لا يوجد من خيار، سوى ان يقرر العراقيون بانفسهم جماعيا، الصيغة التي يريدونها لمستقبلهم، دستورا، وحكما، وحكاما.
هذه الصيغة يجب الا تخيف احدا، بل هي ضامن لأمن منطقتهم، واقصاء لعقليات حكمت بغداد ، كانت تصدر مشاكلها الداخلية خارجيا بقوة السلاح. نظام ثابت في العراق يعزز امن المنطقة لا يهددها ، كما يحاول الرافضون للعراق الجديد تصويره ، تخويفا للجيران حتى يدعموا المعارضة أو على الاقل يتبنوا مواقف سلبية. لكن تأسيس نظام بديل ، لا يقوم على ارهاب مواطنـيه ، ولا دول المنطقــة ، سيصب في صالح الجميع.
تبقى احتمالات تصدير الديمقراطية الكاملة عبر الحدود ، وهذه يمكن ان تكون مشكلة بالنسبة للانظمة الشمولية ، التي لا تراعي حقوق مواطنيها البتة. اما بالنسبة للدول التي تمنح هامشا لا بأس به، فهي قادرة على التأقلم مع كل الاحتمالات.
واخيرا، علينا الا نتعجل الحدث. فالديموقراطية العراقية امامها طريق طويل وشاق، وما نراه مجرد خطوة اولى ، وسيجد كل الجيران في انجاحها انها الافضل الذي يفرز نظاما، يمكن ان يناموا بجوار حدوده مطمئنين.