واحدة من قضايا الاصلاح المؤسسي التي تطرحها المبادرة التي تشرف عليها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمشاركة عدد من دول المنطقة هي ما يطلق عليها "حوكمة الشركات Corporate Governance" وخصصت المبادرة احدى مجموعات العمل "مجموعة العمل الخامسة" لتحسين ادارة "وحوكمة" الشركات.
الفكرة الاساسية خلف مفهوم "حوكمة الشركات" هي ان كون ادارة الشركات قائمة على الفعالية والشفافية وان تكون "مسئولة اجتماعيا" عن كل ما تقوم به من نشاطات. فاذا كانت مصنعا فيجب عليها أن ترعى البيئة ويجب عليها أن تمارس دورا يربط الناس ويوثق علاقاتهم مع بعضهم بعضا، ولذلك فإن الشركات تسعى إلى أن تتبرع لأعمال الخير وتشارك في نشاطات عدة لتثبت أنها جزء لا يتجزأ من المجتمع الذي تعيش فيه وتساهم إيجابيا في تنميته. وهذه المسئولية الاجتماعية يطلق عليها مسمى "المواطنة"، بمعنى أن الشركة تتصرف كشخصية اعتبارية وتمارس دورها كمواطن صالح.
المواطنة الصالحة للشركات أصبحت الآن ثقافة واجبة الاتباع في جميع الدول المتطورة، وأي دولة تود الصعود باقتصادها إلى مستوى الدول النامية او المتطورة فإنه يتوجب على شركاتها ان تستلهم هذه الثقافة وتمارس "الحوكمة" بأسلوبها المقبول دوليا.
المستفيد الأول والأخير من هذه الثقافة هو المجتمع، لأن الشركة التي تود أن تكون "مواطنة صالحة" عليها أن تحافظ على البيئة والصحة والسلامة لموظفيها ولمن هو قريب منها، وعليها أيضا أن تتبرع لأعمال الخير وللمنظمات الأهلية المشتغلة في تنمية المجتمع، ومساندة النشاطات الرياضية والترفيهية وغيرها.
وفي بعض الشركات الكبرى فإنه يتم توظيف مسئول للعلاقات مع المجتمع للقيام بأعمال ليس هدفها الربح المادي. ولو زار أحدنا اليوم الدوحة مثلا فسيسمع عن النشاطات الرياضية وغير الرياضية التي تتبناها الشركة العملاقة "إكسون - موبيل"، وهي تقوم بذلك لأنها تود القول إنها تمارس المواطنة الصالحة أينما كانت. ولدينا أيضا شركات كبرى وعوائل ثرية في البحرين شيدت مراكز صحية ورعت برامج خيرية ونشاطات هنا وهناك.
غير أن الواقع يقول إن الشركات في البحرين مازالت دون المستوى المطروح عالميا. وفي حديث مع أحد مسئولي "جمعية الجامعيين" كان يتألم من شدة ما أصابه عندما تقدم لعدة شركات كبرى تجني ملايين الدنانير من الأرباح بمقترح إنشاء "مركز للموهوبين" في المحافظة الشمالية. وأشار إلى أن بعض الشركات تطلب الكثير من الوثائق وعندما يتم تقديمها وتعقد الاجتماعات على مدى أشهر وتقترب الموافقة واذا بأحد المسئولين يغلق الباب والهاتف ويقرر عدم التبرع لمشروع خيري واضح. أما المتبرعون الذين حصلت عليهم الجمعية فهم "صغار" التجار أو الشركات التي لا تستطيع ان توفر ما توفره الشركات الكبرى.
إن الشركات الكبرى التي تمارس دورها الاجتماعي إنما تصعد بنفسها إلى أعلى المستويات التى وصلت إليها شركة مثل "مايكروسوفت". فقبل يومين قالت وكالة تابعة للأمم المتحدة إن منحا إجماليها عشرة ملايين دولار تبرع بها رئيس مايكروسوفت "بيل غيتس" للمساعدة في تطوير وإنتاج لقاح قوي يعمل على وقف انتشار مرض شلل الأطفال بحلول نهاية هذا العام.
ترى هل تستجيب الشركات البحرينية لنداءات الإصلاح العالمية والإقليمية والمحلية وتسارع إلى ممارسة دورها الاجتماعي وتلعب دور "المواطن الصالح"، أم ان ما يدور حولها لا يعنيها في شيء؟