بضربة انتخابية واحدة نسفت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية «حماس» أسطورة «الإصلاح الديمقراطي» بالمفهوم الأميركي.وبعد أن حققت المنظمة فوزها الاكتساحي في الانتخابات البلدية الفلسطينية ونالت ثلثي المقاعد أرتج على إدارة بوش فلم تعرف ماذا تقول.العملية الانتخابية نفسها كانت نظيفة ونزيهة، كما تقر بذلك الإدارة الأميركية نفسها، لكن «المشكلة» هي أن الشارع الفلسطيني، بمشاركة 90 في المئة من الناخبين، منح ثقته للمنظمة وخطها السياسي.
وعندما يقول الناطقون الرسميون باسم الرئيس بوش ان حركة حماس لاتزال رغم فوزها منظمة إرهابية فإنهم كمن يدمغون الشعب الفلسطيني قاطبة بالإرهاب.
إن هذا الموقف الأميركي يفضح حقيقة ما تبشر به الولايات المتحدة من مشروع لإشاعة الديمقراطية في العالم العربي، فالتطبيق الديمقراطي في عرف واشنطن مرحب به إلى المدى الذي يعزز من وضع جماعات أو أنظمة موالية لمصالح واشنطن واعتبارات أمن إسرائيل حتى لو كان تطبيقاً زائفاً.
وهو غير مرحب به إذا جاء لصالح تيار أو جماعات تتعامل مع الولايات المتحدة في موقف وطني استقلالي حتى لو كان تطبيقاً نزيهاً.
لقد أصبحت الإدارة الأميركية الآن وبعد الفوز الاكتساحي لحماس في حالة جزع وقلق لأن هذا الفوز يعني أولاً انحياز الشعب الفلسطيني إلى نهج المقاومة عوضاً عن نهج أوسلو وثانياً لأنه بالتالي ينعكس سلباً على فريق أوسلو بزعامة محمود عباس (أبو مازن).
لقد قال الشعب الفلسطيني كلمته عن طريق صندوق الاقتراع، وسوف يكرر هذه الكلمة عندما تعقد انتخابات المجلس التشريعي في يوليو، والمدلول الأكبر لهذه الكلمة هو انه ينبغي إعادة إنتاج منظمة التحرير الفلسطينية بما يعكس الإرادة الشعبية الحقيقية.
فقد ظلت أجهزة هذه المنظمة ـ اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي والمؤتمر العام ـ حكراً على شخصيات أوسلو دون أن يسمح لها بعرض نفسها على اختبار شعبي، وإلا كيف يعقل استبعاد حماس من عضوية منظمة التحرير، بينما تتمتع بثقة الشارع كما عكست نتيجة الانتخابات؟
ولاشك ان جزع الإدارة الأميركية تضاعف عندما سمعت قطب حماس محمود الزهار يبشر بأن من أولويات المجالس المحلية والبلدية الجديدة التي سوف يسيطر عليها ممثلو حماس «ملاحقة مظاهر الفساد والمال الذي يهدر».
ونستذكر ان إدارة بوش لطالما ملأت الدنيا ضجيجاً بأحاديثها المتسلسلة عن «الفساد» في السلطة الفلسطينية بينما هي تعني ما تتسلمه أسر الشهداء من تبرعات نقدية وعينية تصل عن طريق أجهزة السلطة.
والذي يقلق الولايات المتحدة الآن هو أن يعمد ممثلو حماس إلى فتح ملفات الفساد المالي الذي يمارس على المستوى الأعلى في السلطة الفلسطينية، مثل صفقات الأسمنت الذي يشترى من خارج فلسطين ليباع إلى شركات إسرائيلية تستخدمه في بناء الجدار الفاصل.
والآن، وقد مارس الشعب الفلسطيني خياره بما لا يرضي الهوى الأميركي فكيف يكون مصير «مشروع الشرق الأوسط الكبير»؟
هذا المشروع لم يأخذه أي عربي على مأخذ الجد ـ حتى الذين دافعوا عنه كانوا يدركون في دخيلة أنفسهم أنهم شهود زور.
وقد كان السؤال المطروح على الدوام منذ إعلان المشروع هو: هل يعقل أن تكون الولايات المتحدة جادة حقاً في ادعائها بنشر النظام الديمقراطي في العالم العربي، بحيث تبرز الى المسرح جماعات وتنظيمات تعادي الاستراتيجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط وتهدد بقاء أنظمة موالية لواشنطن؟
ويأتي الآن رد الفعل الأميركي السالب تجاه فوز حماس الانتخابي ليعطينا الإجابة الصحيحة عن ذلك السؤال.