لا تقل فكرة وتهرب··· لا تزرع مبدأ لفلسفة وتولي·· هي الأفكار إن نمت بطريقة شيطانية، هدمت المعبد على الأستاذ والتلاميذ واكتوى المجتمع والآخرون بزلزالها وسقوطها·· قد تدخل تلك الفكرة الشيطانية من خلال باب الرحمة والمودة وفعل الخير والإحسان ومجاهدة الدنيا ونصرة الدين إلى بيت من بيوت كانت آمنة ومطمئنة، تقتسم لقمتها وضحكتها وتتعاضد على آلامها، فتقلبها وتحولها إلى ما تريد·
ولأن الأفكار الشيطانية عادة ما تكبر في مواطن الجهل والفقر والحاجة والمرض الاجتماعي وعدم المساواة والشعور بالظلم والغبن أو حين تترك مؤسسات المجتمع التربوية والتعليمية والثقافية والاجتماعية دورها الحقيقي في النهوض بالمجتمع والرقي بأفراده، وحين تسهو وتغفل المؤسسات السياسية عن دور القيادة الفعلية والتفكير البعيد لسير المجتمع والدولة، فتقبل أن يعطي الآخرون معاني لمصطلحات الحكم وفن القيادة والسياسة·
في ظل هذا الفراغ والتخلي عن الأدوار، يظهر برنامج آخر، إما نابع من باطن وقاع المجتمع، وإما وافد من مجتمعات مماثلة في الظروف والمعطيات، في حين أن الأفكار النيّرة دائماً تأتي من مجتمعات مغايرة ومتطورة ولها تضحيات مقدسة من أجل الحرية والفكر والعقل·
هذا الفكر غير السوي غذته في فترة الأشرطة والكتب غير المراقبة والمغلفة بالدين ورموزه وفتاويه التي كانت تكال بلا ميزان، كان هناك مال كثير، لا يعرف مصدره ومن أين·· نظم الخلايا المندسّة والنائمة ودعمها لوجستياً وخدمها إعلامياً، بحيث قدرت تلك الخلايا من التغلغل في التربية والتعليم والمحاكم والإعلام، ورحبت وسائلنا الإعلامية الرسمية التي كانت تسبح في الجهل والبهرجة والسطحية بكل ما كانوا يقومون به أو يقترحونه، فإلى كم سنة، كانت التبرعات والصدقات تذهب لبناء مساجد كثيرة لا نعرف أين هي؟ ولحفر آبار معطّلة في نهايات العالم، ولبناء مدارس للأيتام المسلمين إلى كم سنة كانت حملات نصرة المجاهدين تنظم بعد كل صلاة في المساجد والمدارس والجامعات، وكان استقبال الشهيد العائد من أفغانستان أو الشيشان استقبالاً مكللاً بالغار وبوفد رسمي وحكومي، وكان الذاهب مجاهداً إلى هناك ·· تقضى له حوائجه مبكراً، ليس من طرف جماعته ولكن من أطراف رسمية، إلى كم سنة كانوا يتولون المنابر ويدرّسون بعد الصلاة في المساجد، ويطرحون على الصغار والمتعبين والمعذبين والمهاجرين ما يريدون بعد التشهد والتهليل والتكبير والصلاة على النبي·
إلى كم سنة ·· كان الناس مصدومين بالطفرة النفطية، وبزمن التحولات وبانفتاح الدنيا، وبحساب غنائم الفتح·· كان هناك جيش يجهّز للغزو، وهناك جيش آخر يتسلى بعدّ الغنائم الممكنة والمحتملة والمحلوم بها والموعود بها، كانت هناك جنة تفتح أبوابها للمسافرين·· وهناك نار تعدّ أبوابها للحالمين، المكتنزين··