نصير الأسعد: إذاً، يصل نائب وزير الخارجية السوري وليد المعلّم الى بيروت اليوم وعلى جدول زيارته لقاءات رسمية وسياسية، وسط تسويق سياسي لكون هذه الخطوة تمثل تغييراً سورياً في التعاطي مع لبنان عبر نقل "الملف" من اليد الأمنية الى الخارجية السورية.
والأسئلة التي "ترافق" هذه الزيارة، كثيرة: ماذا يحمل المعلّم من أفكار معه؟ ما هي اعتبارات توقيت الزيارة؟ ما هي الخلاصة التي تتوق الإدارة السورية اليها؟ وعن هذه الأسئلة وغيرها الكثير، تجيب أوساط المعارضة بالعناوين الرئيسية الآتية:
التغيير بالمعلّم في سياق غير تغييري
أولاً ـ لا يتزامن قرار القيادة السورية ايكال "الملف اللبناني" الى المعلّم مع قرار آخر بوقف العلاقة الأمنية السورية بجوانب سياسية رئيسية من "الملف"، ولا مؤشرات الى ان قرار كفّ يد الإدارة الأمنية قد اتخذ أو يمكن أن يتخذ بنتيجة المفاوضات التي سيجريها المعلّم مع المسؤولين اللبنانيين أو استجابة للمطالبات السياسية بذلك، لأن مثل هذا القرار يوازي في "أهميته" إجراء تغييرات هيكلية في البنية السياسية السورية من وجهة نظر المعارضة.
ثانياً ـ وإذ تأتي زيارة المعلّم بعد مرور مشروع وزير الداخلية سليمان فرنجية للتقسيمات الانتخابية في مجلس الوزراء، من الواضح بالنسبة الى المعارضة ان الزيارة مسبوقة بـ"تدخل سوري" على أعلى المستويات القيادية في إقرار مشروع القانون "ملغّماً"، أي اعتماد القضاء تنازلاً أمام الخارج الدولي وسعياً وراء مظلته من جهة ومحاولة لـ"بيعه" الى المسيحيين بـ"ثمن غالٍ" هو عدم التحالف مع المسلمين من جهة ثانية، وسعياً الى التعويض عن اعتماد القضاء بتقسيم كيدي لبيروت من جهة ثالثة، وبتضمين المشروع بنوداً إعلامية قمعية من جهة رابعة.
ثالثاً ـ وتأتي زيارة المعلّم مسبوقة بكلام اتهامي صدر عن الرئيس بشار الأسد يضع مسؤولية عدم قيام دولة المؤسسات في لبنان على السياسيين اللبنانيين، من غير أن يشير الى مسؤولية للإدارة السورية عن ذلك، علماً ان الأسد كان تحدث قبل مدة عن "شوائب" في العلاقة اللبنانية ـ السورية يتحمل مسؤوليتها الجانبان اللبناني والسوري.
رابعاً ـ تبدو زيارة المعلّم إذاً مسبوقة بمواقف وممارسات تعكس انسحاباً سورياً من المسؤولية عن فشل تطبيق اتفاق الطائف في ظل "الرعاية" السورية من ناحية واستمراراً للتعاطي الأمني السوري في قضايا سياسية داخلية لاسيما المسألة الانتخابية من ناحية ثانية، الأمر الذي يدفع المعارضة الى القول ان التغيير بتعيين وليد المعلّم يأتي في سياق غير تغييري على صعيد السياسة السورية حيال لبنان.
"لو" تمّت لـ"لبننة" الاستحقاق الرئاسي!
خامساً ـ وتعتبر أوساط المعارضة ان المهمة التي أوكلت الى المعلّم تأخرت كثيراً وفقدت من "بريقها" الكثير. ذلك انها لو تمّت في سياق الاستحقاق الرئاسي اللبناني، عندما طرحت القيادة السورية أو نقل عنها طرحها شعار "لبننة" الاستحقاق، لكانت إذ ذاك ستوفر على لبنان وسوريا الكثير من المتاعب التي ولّدها القرار السوري بالتمديد لرئيس الجمهورية.
في ضوء هذه العناوين، لا تخفي المعارضة عدم تفاؤلها بمهمة المعلّم انطلاقاً مما تراه تناقضاً بين مقدماتها وسياقها وبين الكلام عن تغيير تنطوي عليه أبعادها وفق التسويق الذي يصاحبها.
في الجانب اللبناني من "الصورة": صفير وجنبلاط والـ1559
على ان أوساط المعارضة تلفت الى الجانب اللبناني من "الصورة" التي تأتي زيارة المسؤول السوري في إطارها، والتي لا تقل تعقيداً واستدعاء لعدم التفاؤل بإمكان تحقيق إنجاز على صعيد العلاقة اللبنانية ـ السورية في أمد قريب.
1 ـ لقد انتقل البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير، خصوصاً خلال زيارته الأخيرة الى باريس وقبل أن يلتقي الرئيس الفرنسي جاك شيراك، من "شبه الحياد" حيال القرار الدولي 1559 الى المطالبة المباشرة بتنفيذه معلناً عدم وجود تناقض بين اتفاق الطائف والقرار في ما يتعلق باستقلال لبنان وسيادته وقراره الحر. وأكثر من ذلك، انتظر البطريرك صفير قرابة 18 شهراً بين اندلاع الحرب على العراق في آذار 2003 والتمديد في أيلول 2004، مبادرة سورية جدية باتجاهه فلم تحصل.
و"السلطة" هنا إذ اعتمدت بقرار سوري مشروعاً انتخابياً يقوم على القضاء ـ برسم الخارج الأميركي والفرنسي ـ لم تكتف بمحاولة تسويقه على أساس انه إرضاء للبطريرك، بل راحت "تبشّر" بانفكاك البطريرك عن المعارضة.. الى ان أتى الرد من صفير بالدعوة الى تطبيق الـ1559 والى وحدة المعارضة من أجل ربح المعركة الانتخابية السياسية.
2 ـ على الرغم من خلافه مع القيادة السورية بشأن التمديد، لم يغلق الزعيم المعارض وليد جنبلاط أبواب التسوية مع دمشق، سواء في ما قاله خلال زيارته الى فرنسا عندما أكد أمام شيراك اختلافه مع القرار 1559 حول نقطتي الانسحاب السوري حتى البقاع على أساس الطائف والمقاومة في مزارع شبعا، أو في تشديده على ان المدخل الى "علاقة صحية وصحيحة" مع سوريا هو تفكيك ما يسميه "الجهاز الأمني السوري ـ اللبناني المشترك".
تجاهلت دمشق هذا الطرح الجنبلاطي، واعتمدت "السلطة" سياسة تزاوج بين الحملة على جنبلاط وفتح ملفات لكوادر في "الحزب التقدمي الاشتراكي" وبين ادعاء "استعادة جنبلاط الى الخط" ومحاولة دقّ إسفين بينه وبين المعارضة. ودُفع جنبلاط توضيحاً لمواقفه الى رفع السقف وصولاً الى طرح العلاقات الديبلوماسية بين بيروت ودمشق، ووصولاً الى حدّ القول انه مع تطبيق الطائف "وإذا كان القرار 1559 يساعد في استعادة استقلال لبنان وسيادته فلا مانع" كما قال تقريبياً في محاضرته في الجامعة اليسوعية الأسبوع الماضي.
عون
3 ـ و"السلطة" بمركز قرارها السوري تلجأ الآن الى سياسة مشابهة مع العماد ميشال عون المؤيد بلا تحفظ للقرار 1559.
فهي تحاول أن "تبازر" معه على حقوقه سياسياً وتحاول أن تضعه في مواجهة مع المعارضة. وما إن أعلن عون نيته العودة في العاشر من شباط الجاري حتى انبرت الأجهزة الى ترويج انه عائد لخوض الانتخابات في بعبدا ضد المعارضة، في الوقت الذي كان العماد يؤكد ان التفاهم مع جنبلاط، حاصل، وان لقاءه مع البطريرك كان ممتازاً، وان سقفه هو وحدة المعارضة.
الحريري
4 ـ وأخيراً ليس خافياً ان "السلطة" بممارساتها الكيدية وآخرها تقسيم بيروت تدفع الرئيس رفيق الحريري نحو مزيد من المعارضة، وباتجاه خطوات إضافية في علاقته بالمعارضة، وقد كشف سليمان فرنجية في إطلالاته الإعلامية الأسبوع الفائت استهداف الحريري وتطلع "السلطة" الى منع التقاء الحريري مع المعارضة المسيحية وتحالفه معها.
المحكّ
هكذا إذاً، تقع زيارة المعلّم الى بيروت اليوم وغداً بين حدّين: فهي مسبوقة بمواقف سورية "متشدّدة" وبممارسات ضدّ المعارضة من قبل "السلطة" من جهة ومسبوقة بمواقف للمعارضة تعلن انها تريد تسوية حقيقية لا ذراً للرماد في العيون وتؤكّد انّها لن تؤخذ بالشكليّات من جهة أخرى.
ولأنها كذلك، لا تبدو مهمة المعلّم في بيروت التي قد يستكملها في زيارة لاحقة، مرشحة لإنتاج وضع لبناني ـ سوريّ متغير وجديد. وأكثر من ذلك تؤكد المعارضة عشيّة هذه الزيارة انّها لا تعلق عليها آمالاً.
ومع ذلك وبالرغم منه، ولأن المعارضة متمسكة بفتح باب التسوية الجدية انطلاقا من قناعتها بأن هدف معركتها هو الوصول الى علاقات صحية مع سوريا تسمح باستعادة النظام الديموقراطي، فهي سوف "تسمع" جيداً ما سيطرحه نائب وزير الخارجية السوريّ.
بيد انها تشدد على ان ثمة محكاً لمهمة المعلم يتمثل في موقفين رئيسيين:
أ ـ ان يكون ثمة قرار سوريّ يحمله المسؤول السوريّ أو يحاول "اخراجه" في لبنان، بتنفيذ انسحاب سوريّ واسع نحو البقاع قبل الانتخابات النيابيّة وكمحطة أولى.
ب ـ ان يكون ثمة قرار بالاستعداد للتفاهم على إقالة الحكومة الحالية لقيام حكومة محايدة يطالب بها البطريرك صفير ومعه المعارضة، كمدخل نحو التسوية اللبنانيّة ـ السوريّة بعد الانتخابات.
وتعتبر المعارضة انّ تكليف المعلّم بـ"الملفّ اللبناني" الذي تُعدّه اشارة الى الخارج الدوليّ، يجب ان يتكامل باتجاه مصالحة سوريّا ولبنان مع المجتمع الدوليّ، وباتجاه مصالحة سوريّا مع الداخل اللبناني على اساس الموقفين الآنفين. وفي تقدير اوساط المعارضة أنّ ذلك يقتضي انسحاب سوريّا من الحياة السياسيّة الداخليّة قبل الانتخابات (عبر الانسحاب الى البقاع وقيام الحكومة المحايدة) بحيث تنبثق من الانتخابات حكومة وفاق وطني تتفاوض مع سوريا حول ما بعد انسحابها نحو البقاع، وحول التعامل مع المطالب الدوليّة المتضمنة في القرار 1559 أي "لبننة" الأجوبة على هذه المطالب بالطريقة التي تناسب لبنان، وحول مستقبل العلاقة اللبنانية ـ السوريّة من دولة إلى دولة. وعدا ذلك، ستنظر المعارضة الى مهمة وليد المعلم على أنها مجرد مهمة "تجميلية" لواقع غير سليم، لن تنتج مفاعيل إيجابية والحالة هذه.