ترك الامير هاري البالغ من العمر 20 عاماً والثالث في تبوّء العرش المدرسة ليدخل قريباً الى ساندهارست. هو لاعب بولو بارع جداً ولم يعرف عنه اجتهاده الدراسي. وبعمر السابعة عشرة اقرّ بمعاقرة الخمرة تحت السن القانونية، وبتدخين حشيشة الكيف، كما تورط بفضيحة مع مصور صحافي خارج مرقص ليلي.
وفي الثامن من كانون الثاني (يناير) الجاري، حضر الامير هاري وأخوه الاكبر الامير ويليام حفلة تنكرية خاصة. وكان العنوان الغريب لهذه الحفلة هو «المستعمرون والاصليون». ارتدى الامير ويليام ثياباً من جلد النمر فيما تنكر الامير هاري بزي ضابط نازي. وبعد ايام قليل نشرت صحيفة «ذا صن» صوراً للامير فاضطر الى الاعتذار. وجاءت ردة فعل عائلتي، ولدي ابنان بعمر العشرين، ان الامير اقترف خطأ جسيماً لكنه اعتذر، ولتقف المسألة عند هذا الحد. ويبدو أن غالبية البريطانيين تشاطر عائلة تاونسند رأيها. وأنا أضفت اليه أنني محظوظ لأن أحداً يتذكر ماذا فعلت في ذلك العمر. ولم ندرِ، زوجتي وانا، ان كان علينا ان نضحك ام نبكي لردود الفعل المبالغة التي نتجت عن الحادثة في الداخل والخارج على حد سواء. فبدا الزي التنكري الذي ارتداه الامير وكأنه موقف رسمي للعائلة المالكة ازاء المحارق اليهودية. وأفردت صحيفة «ذا تايمز» افتتاحية طنانة للموضوع فيما أطل نائب غبي على شاشات التلفزيون ليعلن لنا انه يجب على الامير هاري ان يمنع من التوجه الي الاكاديمية الحربية ساندهارست. وطالب كل من الزعيم العمالي مايكل هوارد والزعيم الليبرالي شارلز كينيدي باعتذار شعبي عام.
أما ردّات الفعل في الخارج فجاءت أكثر حدة. اختارت صحيفة «نيويورك بوست» عنوان «الامير النازي» فيما كتبت يديعوت احرونوت: «هاري النازي». وللمفاجأة الكبرى، اصبح لوزير الخارجية الاسرائيلي سيلفان شالوم قول يدلي به في هذا المجال. قال: «... قد تكون تلك اشارة تشجع البعض على الظن بأن تلك الفترة ليست مؤلمة بالقدر الذي تعلمه للاجيال الشابة في العالم الحر».
وباسم الاتحاد الاوروبي اعلن خافيير سولانا: «هذا ليس تصرفاً لائقاً». وهكذا دواليك لليومين اللاحقين.
كنت مديراً لـ «مجلس تطوير التفاهم العربي - البريطاني» لست سنوات. ودرس مجلسنا العلاقة بين شكوى اليهود في المانيا النازية في الاربعينات وشكوى الفلسطينيين في التسعينات. وكان الموضوع شائكاً وصعباً. شاع اعتقاد مثلاً بأن دولة اسرائيل بنيت كملجأ للناجين من المحارق النازية، في الوقت الذي كان احيط اتفاق بلفور في العام 1971 بأهمية خاصة.
صدم مجلسنا بالارتفاع المفاجئ في عدد المواضيع المتعلقة بالمحارق في اواسط التسعينات في التلفزيون والراديو والجرائد. وبدا كأنه كلما بعدت المحارق زمنياً كلما زادت تغطيتها الاعلامية. وكنا وبعض الكتاب مجمعين على أن ذلك لم يكن بمحض الصدف. بل على العكس، كان هناك اتفاق بين المجتمع اليهودي في اميركا واوروبا اتفاق على شن حملة لجذب الانتباه الى هذه الحقبة من التاريخ الالماني. وبشكل من الاشكال كان هذا الموضوع يجري بالتنسيق مع اسرائيل وتحت اشرافها. انها صناعة «هولوكوست» فعلية عرفت نجاحاً باهراً. وبالتوازي مع هذه الحملة بدأت حملة القاء اللوم على اوروبا الغربية وتلفيق تهمة معاداة السامية لها. وكبرت هذه التهمة لدرجة ان اسباباًَ كثيرة وقفت وراءها ومن بينها وصول ارييل شارون الى مركز رئيس وزراء.
وانتاب الصهيونيون قلق فراحوا يلومون الصحافة العالمية بتغطية أخبار آسرائيل بشكل خاطى والانحياز للفلسطينيين الذين سلبوهم ارضهم واحتلوها. فكان على اليهود ان يبدوا كشعب مضطهد وعلى اسرائيل ان تظهر بظهر الضحية.
وخصصت المملكة المتحدة يوماً لذكرى المحارق اليهودية يصادف في السابع والعشرين من كانون الثاني (يناير) من كل عام، وهو يتوجه بشكل خاص الى الدارس. وأنشأ المتحف الملكي في لندن عرضاً مستمراً للهولوكوست، أمام دهشة قدامي محاربي احخرب العالمية الثانية الذين لم يسمعوا عن تلك المحارق الا في نهاية الحرب واكتشاف معسكرات الاعتقال.
وتعتبر الطريقة التي عامل بها النازيون اليهود في تلك الحقبة فصلاً مخزياً في التاريخ الاوروبي الحديث. وحقائق الهولوكوست يجب ألا تنسى، ولكن ايضاً يجب عدم استعمالها اليوم ذرائع لانتهاكات اسرائيل بحق الفلسطينيين.
*سياسي بريطاني من حزب المحافظين.