تدل المعطيات المتاحة الى أن معظم الشركات في دول الخليج مؤسسات عائلية أو شركات مساهمة خاصة محدودة المسؤولية. وعلى رغم ندرة الأرقام حول حجم الاستثمار الخاص في هذه الدول ، إلا انه يمكن معرفة عدد الشركات المساهمة العامة استناداً إلى حركة التداول في أسواق البورصة.
وباستثناء المملكة العربية السعودية والكويت، فان عدد الشركات المطروحة أسهمها في التداول في بقية الدول الخليجية، لا يتجاوز الـ50 شركة. ولعل دولة الإمارات العربية المتحدة، أسرع هذه الدول نمواً وأكثرها حركة وفاعلية في الآونة الأخيرة، تقدم الدليل على ذلك. ففي سوق أبو ظبي للأوراق المالية، لا يزيد عدد الشركات المدرجة فيها على 34 ، بالمقارنة مع نحو 15 شركة في إمارة دبي.
والواقع أن كثيراً من الشركات المساهمة العامة في دول الخليج هي إما شركات حكومية في مجالات الاتصالات والصناعات النفطية وقطاع الإنشاءات والخدمات، أو شركات كبيرة تسعى إلى توسيع قاعدة الملكية، خصوصاً إذا توافر شرطان رئيسان هما: الإقبال على شراء الأسهم في ظل السيولة النقدية العالية والكبيرة المتاحة في أسواق دول الخليج النقدية، أو في حال الرغبة في توسيع قاعدة المخاطرة. ولذلك، فإن الاستثمارات الحكومية التي تبحث عن رأس مال، أو المؤسسات التي تجرى خصخصتها، هي التي تستأثر بالنصيب الأوفر من الشركات المساهمة المحدودة الجديدة.
أما القطاع الخاص فيعمل على إنشاء “المجموعات” أو الاستثمارات العائلية. ومن الواضح أن غالبية الشركات الأسرية انطلقت مع شخص واحد حصل على مجموعة وكالات تجارية، أو من قبل عدد من الاخوة وأبناء العم ممن قرروا توحيد جهودهم والعمل معاً لإنشاء مجموعة منافسة تمنحهم الأرباح والمكانة الاجتماعية.
لكن الواضح أيضاً، أن الجيل الثاني أو الثالث، ممن درسوا في جامعات الغرب، لا يريدون أن يهمشوا، وان يكون دورهم محدوداً. ولدى كثير من ابناء هذا الجيل رغبة جامحة في تولي قيادة الأمور، أو في التفرد عن الاخوة وأبناء العمومة، ليكون لهم كيانهم الخاص. ويعتبر هذا التطور الإنساني الاجتماعي أحد مكامن الخطر الرئيسة على البنية الاستثمارية الفوقية لدول الخليج ، ما لم يبدأ التحول تدريجاً من النظام العائلي إلى النظام المؤسسي.
لقد عقدت في بعض دول الخليج عام 2004، خصوصاً في دبي والدوحة، مؤتمرات تناولت جزئياً هذه القضية الملحّة. وتكونت مجموعات استشارية لدرس هذه القضايا بتفاصيلها المهمة القانونية والمالية والإدارية.
ويواجه هذا التحول في الدرجة الأساسية عائقين: الأول، هو النظم الأساسية التي أقرت بين الشركاء الأقارب عند تأسيس الشركة أو المجموعة والتي تقاسم فيها الاخوة الشركاء الصلاحيات. فإذا كان أحدهم رئيساً لمجلس الإدارة يكون الآخر التالي في الإدارة، إذا تنازل الأخ الأول أو حدث له مكروه يقعده عن العمل. ومن هنا، يجد الأبناء صعوبة في تسلم المسؤولية في حال معارضة أحد الأعمام. وهذا الإشكال حاصل فعلاً في عدد من الشركات الخليجية.
أما العائق الثاني فيتمثل في الفراغ القانوني. إذ أن قوانين الشركات لم توفر النصوص القانونية الكافية لمعالجة هذا الموضوع. ومن الأمثلة على ذلك تقويم “السمعة” أو الاسم التجاري” للشركة. فقد واجهت شركة “اراب تيك” مثلاً في دبي معضلة تقويم سمعتها وحسن سيرتها كرصيد في قيمتها. وبالعودة إلى النصوص القانونية، يتبين أن وزارة الصناعة والتجارة في دولة الامارات تتعامل مع قانون يضع تقويماً للارصدة الحسية الملموسة، المنقولة منها وغير المنقولة. أما الأرصدة المعنوية مثل السمعة والخبرة، فلا تتوافر لها مواد تشرح أسلوب التقويم.
لكن دولة الإمارات بمرونتها العالية وجدت المخرج حين استعانت بخبراء دوليين لوضع تقويم للشركة، عندها عمدت شركة “اراب تيك” للمقاولات إلى إنشاء شركة مساهمة عامة جديدة تقوم بشراء “اراب تيك” الأصلية. وقد استغرق هذا الأمر شهوراً عدة. وتظهر هذه المشكلة عندما يتم التحول من شركات عائلية، إلى شركات مساهمة عامة، حيث يصعب تقويم الوكالات والعلامات التجارية وغيرها.
وتعاني أسواق البورصة في دول الخليج التي شهدت طفرة كبيرة في الإمارات وقطر وعمان والبحرين والسعودية والكويت إلى حد ما، من مشكلة الضيق وليس العمق.
والمقصود بالضيق، محدودية عدد الشركات والأوراق المالية القابلة للتداول في هذه الأسواق. لكنها تتمتع بالعمق، أي أن معظمها من الحجم الكبير. ورأينا أن بعض الشركات التي طرحت أسهمها في دولة الإمارات، تجاوزت بنسب تفوق مئات المرات ما طرح من اسهم. ومثال على ذلك “شركة الدار العقارية” التي طرحت اسهماً للبيع بقيمه 802 مليون درهم، فكان الطلب على الشراء بقيمة 3,77 بليون درهم.
وإذا كانت السوق على هذه الدرجة من السيولة والدينامية، فلماذا لا يتم التحول إلى الشركات المساهمة العامة. إن هذه فرصة سانحة يجب أن تستثمر. واستمرار التمسك بالنظام الأسري قد يكون في بعض الحالات أمراً خطراً على بقاء هذه المجموعات في المستقبل. و أي خطر يتهدد هذه الشركات والمجموعات لن يكون محصوراً في أصحابها.

* (خبير اقتصادي، البصيرة للاستشارات)