امتنع الأزهر عن إرسال مجموعة من مشايخه الى قطاع غزة لأنه يرفض ان يختم الاسرائيليون جوازاتهم. ارتاح الاسرائيليون الى قرارهم، وسعد الأزهريون ايضا بتبني الموقف الرافض، وطويت بذلك صفحة أخرى من عشرات المحاولات العربية. وقبل المشايخ امتنع رجال اعمال وصناعيون ومثقفون وسياح من زيارة الضفة الغربية وغزة، لأن النظام العربي يحرم ذلك باستثناء بعض الدول. ولهذا السبب ظلت فلسطين الضفة والقطاع ارضا محرمة على العرب وحلالا على الاسرائيليين.
كلنا نعرف ان الفلسطينيين عاشوا منذ عام 1967 في قطيعة مع الخارج العربي، الذي قرر سد باب الذرائع بمنع مواطنيه من السفر الى الاراضي المحتلة، او التعامل معها مباشرة. ورغم ان أربعين عاما اثبتت خطأ نظرية الحصار الثقافي والاقتصادي الذي اتبعته الجامعة العربية، فان احدا لم يحاول ان يفرض مشروع قانون جديد يعيد فتح باب الاتصال، ويعزز الروابط باتجاه فلسطينيي الضفة وغزة. وربما نستثني من ذلك الاتصالات المصرية المحدودة، التي يعتبرها البعض نقيصة، في حين انها لعبت دور كاسر الصمت في العلاقات العربية الفلسطينية.
ولماذا تبنى العرب سياسة هجران الفلسطينيين في الداخل المحتل؟ ببساطة من اجل معاقبة الاسرائيليين حتى لا يختموا النجمة السداسية على جوازاتهم، وحرمان الاسرائيليين من كل ما يمكن ان يعتبر اعترافا بالاحتلال، او يعطي شرعية لاسرائيل هناك.
قرار المقاطعة العربية للفلسطينيين، يحقق نتيجة شكلية، لكنه لا ينهي الاحتلال ولا يخدم الفلسطينيين، وامامنا تاريخ من اربعة عقود يبرهن على سوء نتائجه. والجانب الثاني تاريخي، فالقيادة الفلسطينية كانت تعيش في الخارج ثلاثين عاما، وارادت المجموعة العربية خدمة القرار الفلسطيني بالاكتفاء بالاتصال بها في المنافي التي عاشت فيها، وهي بدورها تتصل بممثليها في الداخل. ومنذ اتفاق اوسلو، وعودة منظمة التحرير الفلسطينية، وبعد ذلك اقامة سلطة فلسطينية شرعية، لم يعد هناك من مبرر لمقاطعة مواطنيها على ارضهم. وتبقى المشكلة الرمزية، وهي الختم الاسرائيلي على الجواز العربي، الذي لا يعترف بمشروعية الاحتلال. نحن نعرف ان الختم والشيكل والبطاقة لم تعن القبول او الاعتراف بالاحتلال قط، بل واحدة من ضرورات العبور التي يقبل بها المواطن الفلسطيني.
وربما صار الوقت متأخرا للدعوة الى تغيير الواقع العربي الرافض للتمييز، بين قطيعة ضد المعتدي الاسرائيلي، ومقاطعة تضر بالضحية الفلسطينية. فنحن على عتبة تاريخ جديد، يوحي بحل القضية بأرضها ولاجئيها، وقد يأتي يوم نسترجع فيه ما قُرر ماضيا وطُبق حاضرا، وثبت انه غير نافع. اما الآن فعلى الأزهر وبقية المؤسسات العربية، ان تنتظر الفرج مع انباء الغزل الفلسطيني الاسرائيلي