السيد علي السيستاني دخل تاريخ العراق والمنطقة واسمه مسجل بالذهب، فهذا هو الشخص المبدئي الذي استطاع بحكمته وحنكته وارتباطه بدينه وبالناس ان يطرح وجهات نظره المطالبة باستقلال العراق وتحرره من الاحتلال ومن الدكتاتورية.
السيستاني أثبت أنه الرقم الصعب والفاعل في المعادلة العراقية. هناك شخصيات تمتلك وزنا مشابها في العراق أو غير العراق، ولكن ما يميز السيستاني أنه صاحب موقف وصاحب أفعال تدعم تلك المواقف المتوازنة.
يوم أمس الأول توجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع ليقولوا لمن هددهم إنهم لا يخافون الارهاب ولا يرضون بالاحتلال، وانهم يشاركون بما مكنهم الله في صناعة مستقبل العراق.
السيستاني الذي لم يقبل أن يلتقي أي مسئول اميركي خلال فترة الاحتلال هو نفسه الذي قلب الموازين لصالح العراق والمنطقة... لصالح الاقتراع والدخول في العملية الديمقراطية... قد تكون هذه العملية الديمقراطية منقوصة، ولكنها مع المشاركة - ضمن شروط مبدئية - يمكن ان تفتح صفحة جديدة في بلداننا التي لم تتعود بعد على ان يسألها احد عن رأيها في الشأن العام.
السيستاني مع عظمته شخص متواضع جدا، وعندما طلب الحاكم الاميركي المدني للعراق بول بريمر لقاءه في العام الماضي رد بأدب على بريمر قائلا: انا ايراني، وانت أميركي فلماذا لا ندع الشعب العراقي يقرر بنفسه.
السيستاني طرح مفهوما يتعدى القومية... فهو ايراني المولد والجنسية ولكنه ابن النجف الأشرف، هذه المدينة المقدسة لدى المسلمين الشيعة والتي لم تفقد رمزيتها حتى مع البطش البعثي الذي تعرضت له منذ وصول حزب البعث إلى الحكم في 1968 حتى سقوط طاغية العراق صدام حسين في .2003
السيستاني افتتح القرن الحادي والعشرين بمدرسة جديدة في السياسة وهي ذات أثر كبير ليس على المسلمين الشيعة فقط وانما على الاطراف السياسية كافة.
إنها لغة العقل والاعتدال في موازنة لغة القتل والارهاب، وقد كان البعض يأمل ان ينهزم العقل وتنهزم الارادة العراقية... ولكن الله وفر لهذا الشعب العظيم رجلا مثل السيستاني يرفع الراية عندما يحتاجه الناس، ويرتفع على تفاهات السياسة ليكون أبا للجميع، ويطرح منطق الاعتدال بحزم وقوة من دون تنازل عن مبادئ سامية يرفعها بكل إباء.
تحية لك ايها السيستاني الاصيل... فانت انساني وانت اسلامي قبل ان تكون ايرانيا، ولذلك فإن الشعب العراقي وغالبية المستضعفين في المنطقة ينظرون اليك، ويحمدون الله ان الدنيا مازالت بخير لأن هناك من يتحمل الاعباء والاثقال ويسير دون أن يأبه بما يقوله المتخرصون.
الأيام الدامية التي يمر بها العراق ستنتهي بإذن الله، وسينتصر هذا الشعب بعد طول عناء، ولا مجال لعودة الدكتاتورية، والاحتلال لا بقاء له في أرض الرافدين... أرض الحضارات والخير.