من كان يتصور أن الحادث الذي وقع في ولاية نيو جرسي الأمريكية. بالتحديد في مدينة جرسي وراحت ضحيته عائلة قبطية بالكامل. الأب والأم والإبنتان . يمكن أن تصل أصداؤه الي بر مصر. محاولة التأثير فيها. صحيح أنه أقيم عزاء في أمريكا. ولكن أقيم سرادق عزاء في مدينة الأقصر. أقامته عائلة أرمانيوس. وإن كان العزاء الذي أقيم في مصر كان هادئاً. فقد تحول العزاء سواء تشييع جثامين القتلي أو السرادق الي مظاهرات ضد المسلمين في أمريكا. نحن أمام ظاهرتين ما كان أحد يتصور وقوعهما. الأولي نقل التوتر الطائفي المصري من قلب مصر الي خارجها. بالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها مقصد الهجرة المصرية بل والعربية الأولي. مما قد يزيد من تشويه صورة المسلمين هناك، ووضعهم في موقف الدفاع عن النفس بشكل مستمر. إن الأمر يعني أن هناك هدفاً أبعد مدي من مجرد هذه الأحداث. الأمر الثاني: استمرار تذكير العالم بحكاية وفاء قسطنطين التي قد يتصور البعض أنها انتهت في الواقع ولكن النفخ في الرماد يمكن أن يستمر في تذكير العالم بما جري في مصر. كما أن نقله الي أمريكا يزيد من تضخيم صورة الضحايا. لقد قتل المسلمون الأقباط حتي في أمريكا. مع أنه لم يحدث قتل لأقباط داخل مصر نفسها. ومن هنا ينفتح الملف القديم الجديد. حماية الأقباط من كل ما يتهددهم من أخطار داخل مصر وخارجها. والمعروف أن الجاليات المصرية في الخارج فيها القبطي والمسلم. ومن الأفضل القول أنهم مصريون فقط. بدلاً من العزف علي نغمة الفتنة الطائفية حتي خارج حدود مصر.
أعرف أن ما أقوم به يشبه الي حد كبير محاولة العوم عندما يقوم بها شخص مكتف اليدين والقدمين. لأنني أكتب عن حادثة وقعت بعيداً جداً عن مصر. الأمر كله مازال في إطار التحقيقات التي تتسرب منها المعلومات بالقطارة. بعد إسناد التحقيق في القضية الي البوليس الفيدرالي الأمريكي. وفي العادة لا تسند له سوي القضايا الكبري ذات الطابع السياسي والديني والتي تشكل خطراً عاماً علي الكيان الأمريكي كله. وكان هناك حرص من البوليس الأمريكي المحلي منذ لحظة وصوله الي مسرح الجريمة. علي إبعاد أهالي القتلي عن المكان والإصرار علي ذلك. فقط سمحوا لهم فقط بإلقاء نظرة عليهم. من باب التأكيد أن القتلي أقرباؤهم فعلاً. طبعاً أهل القتلي لا يقولون عنهم قتلي، ولكنهم يصفونهم بالشهداء. والفارق بين القتيل والشهيد يعني أنه في حالة القتيل يكون الأمر جنائياً بهدف السرقة مثلاً، ولكن في الحالة الثانية يكون الأمر إما دينياً أو سياسياً. وهذا هو الهدف الذي دفع الفاعل الأصلي لارتكاب جريمته. وهو الهدف الذي يؤكده له كل من يتناول الأمر من الأخوة الأقباط علي أنه جريمة ذات طابع ديني. أقر أمراً لا بد من التنبيه له.. وهو أن مصادري في هذا المقال كلها عنعنات. عن فلان الذي سمع علان. الذي قال له فلان وهكذا. ولهذا فقد استبعدت الكثير من الوقائع التي تنطلق من ثقافة المغالاة. واستبعدت نظرية المؤامرة في قراءة التاريخ. وأبقيت فقط علي ما تأكدت حواسي الإنسانية قبل الصحفية من دقته وصدقه.
لنبدأ القصة من أولها كما يقولون أو كما غني عبد الحليم حافظ: نبتدي منين الحكاية. حسام أرمانيوس من الأقصر كان يعمل في تصميم البوتيكات السياحية. مر بضائقة مالية في عمله بعد حادث الأقصر 1997 وطلب اللجوء الديني الي أمريكا وسافر اليها. لم أفهم معني اللجوء الديني التي أصر كل من تكلمت معهم من الأقباط عليها، ولم أفهم الفرق بين اللجوء السياسي واللجوء الديني. واستقر في جرسي سيتي التي كانت تعيش فيها أسرة زوجته منذ سنوات مضت. والمدينة والولاية فيها تجمع كبير للمصريين. أقباط ومسلمين. لدرجة أنه أثناء عرض الجنازة في التليفزيونات شاهدت محلاً في المدينة ولافتة معلقة علي مدخله مكتوبة باللغة العربية. أنها لإخوان غبور. وحسام أرمانيوس في السابعة والأربعين من عمره. أما زوجته أمل جرس التي تصغره بعشر سنوات فقد كانت في السابعة والثلاثين من العمر. ويبدو أنها تزوجت منه عندما كانت في العشرين من عمرها وكان هو في الثلاثين. لأن الإبنة الكبري لهما: سلفيا في السابعة عشرة من عمرها. وكانت هناك نية للاحتفال بعيد ميلادها يوم الأحد التالي للمذبحة. في كنيسة القديس جورج والقديس شنودة بولاية نيو جرسي الأمريكية. سيلفيا كانت لها أخت في الثامنة من عمرها اسمها: مونيكا. لاحظ تطور التسميات من حسام وأمل الأب والأم الي سيلفيا ومونيكا الابنتين. وكان اللجوء للأسماء المحايدة يعكس رغبة في التعايش مع المجتمع المحيط بهم. ولكن هذه الرغبة انتهت والآن لا توجد سوي الأسماء التي تعكس الديانة. علي طريقة اللجوء الديني أقول أنها الأسماء الدينية. ومن لم يعجبه ذلك يشرب من ماء البحر. فإن لم يكفه ماء البحر الأبيض المتوسط أمامه ماء البحر الأحمر.
آخر اتصال أجرته أسرة أمل الزوجة بها كان مساء الإثنين العاشر من يناير. وابتداء من الثلاثاء لم يرد التليفون فتصور والد أمل وأمها وشقيقها أن الأسرة في رحلة داخل المدينة أو خارجها. أو أنهم يقضون بعض شئون حياتهم. ولأن عدم الرد علي التليفونات استمر الثلاثاء والأربعاء والخميس. اتجه والد أمل الي البيت ونادي عليهم. ولم يرد عليه أحد. وفي صباح اليوم التالي الجمعة تم إبلاغ الشرطة التي قامت باقتحام البيت واكتشفت أن الأسرة مقتولة بعد تكبيلها وقد فارقت الحياة وهناك آثار طعنات في العنق. وسيلفيا فقط كانت هناك محاولة لتمزيق كفها حيث أن الأسرة كلها تدق صليباً في الرسغ. وهو تقليد جديد يتبعه أقباط مصر. بدلاً من دق الصلبان علي أماكن ظاهرة من أعلي الجسم. علماً بأن الوشم أو الدق من الأمور التي تطور الواقع المصري وتركها وراءه. بل ينظر اليها علي أنها من علامات عدم تحضر من يلجأ اليها. وإن كانت قد عادت بقوة من خلال الدق علي رسغ القبطي أو القبطية رغم المستوي الاجتماعي أو التعليمي أو الاقتصادي. مما يعني أن في مصر مناخا لابد من مواجهته. ذلك أن زيارات الكبار في الأعياد. لا تعني أن القاعدة تفكر بنفس المنطق ثمة مشكلة. والملف لم يغلق والنار تحت الرماد. ولكن لا توجد رغبة في تصديق هذا. كلما أثيرت مشكلة طائفية في مصر فسرها المسئولون بأن أصحاب الصحف المستقلة يريدون الرواج لمطبوعاتهم بأي ثمن فينفخون في هذه النيران. بحثاً عن الرواج. مع أن ما تقوم به الصحف يمكن أن يزيد من اللهيب. ولكن لابد من وجود نيران أصلاً. حتي يتم النفخ فيها. أعود الي ما جري في نيوجرسي. الجناة لم يدخلوا البيت عنوة. لم يتلفوا المعالم الدينية في البيت. كل المجوهرات موجودة. وإن كانت بعض النقود القليلة قد سرقت. القتل لم يتم بطريقة الزرقاوي في العراق. مع أن الزرقاوي قتل منذ أول غارة علي الموصل. أو أبو سياف في الفلبين. تشويه علامة الصليب في رسغ سيلفيا لم تكن مقصودة ولكن ربما حدثت أثناء المقاومة. الأسرة ليست غنية وحديثة العهد بالهجرة. والأب الذي فصل من عمله أكثر من مرة يقوم بتوصيل طلبات الطعام والشراب الي المآدب. والأم استطاعت أن تعمل مؤخراً في هيئة البريد الأمريكية. وإن كان الأب رغم ظروفه هذه قد تمكن من شراء منزل في وسط المدينة. وشراء سيارتين للأسرة وجدت واحدة أمام البيت والأخري في مكان قريب منه. تبقي ضرورة التوقف أمام ما يقال عن الدوافع الدينية للحادث. ولابد من إيراد هذا الكلام علي الرغم من أن التحقيق الذي يتم الآن تتجه النية الي اعتبار أن هناك دوافع غير دينية أدت الي الحادث. مثل الثأر، ولو كان ذلك صحيحاً. يكون الصعايدة قد نقلوا حوادث الثأر خارج مصر مرتين مؤخراً. الأولي في الكويت والثانية في أمريكا. لكن لابد من التوقف أمام ما قاله الأقباط من أجل تبرير البعد الديني وراء الحادث:
1- أن حسام يدخل علي غرف الدردشة في النت محاولاً تنصير المسلمين. وإدخالهم في المسيحية. وقد وقعت له مشادة وحصل له تهديد بالقتل. واستخدمت في هذه الدردشة عبارات جارحة ضد الإسلام والمسلمين. وأن المسلمين ردوا عليه بنفس الطريقة الجارحة. وقد جاءته تهديدات بالقتل بعد هذه الدردشات علي النت. مع أنه ليس كل تهديد يؤدي الي القتل عادة.
2- أن حسام اشتبك مع جار مسلم وتسبب في أن يترك المنزل بسبب خلافات بينهما.
3- الجنازة تحولت الي هتافات معادية للمسلمين. وعندما جاء شيخ مسلم ليشارك في الجنازة. هاجموه ووصفوه بالقاتل.
4- ما قام به مؤخراً موريس صادق رئيس الجمعية الوطنية القبطية مؤخراً من توجيه رسالة الي شارون حتي يتدخل لحماية أقباط مصر من الاضطهاد. وإن كانت قيادات الأقباط في أمريكا. قد تبرأت من هذه المحاولة. وخاصة بعد حادث وفاء قسطنطين. الذي يؤكد أكثر من متابع أن ظلاله هي التي أشعلت الموقف ووصلت به الي جوهر المحنة. الغريب والمثير أن أحداً من أقباط المهجر لم يتوقف. لكي يتساءل: كيف عجزت أمريكا بجلالة قدرها عن توفير الحماية لأسرة قبطية لجأت اليها. مع افتراض صدق مزاعم الاضطهاد الذي يجري الكلام عنها.

لكن أخطر ما يقوله أقباط مصر. أن أحد أقارب عائلة أرمانيوس. وهو يعمل مترجماً ساعد الادعاء العام الأمريكي في الدعوي المرفوعة ضد ليتين ستيوارت محامية عمر عبد الرحمن. المتهمة بتسريب رسائل من الشيخ الي معاونيه. وعلي الرغم من أنه مع صدق هذه الرواية فلماذا لم يتم الانتقام من قريب الأسرة؟ وما ذنب الأسرة نفسها إن كان قريبها لعب هذا الدور؟ أم أن الهدف هو الزج بإسم الشيخ عمر عبد الرحمن في القضية حتي يقال - بسهولة - أن الأسرة أبيدت بقرار من عمر عبد الرحمن. يبقي التساؤل: هل من المناسب مواجهة هذا الذي يجري في نيوجرسي بكل هذا الصمت المصري الذي قد يصل الي حالة من اللامبالاة. أعرف أن هناك استجواباً للسيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية في البرلمان. عما فعلته مصر إيذاء اغتيال هذه الأسرة. ولكن الاستجواب لم يخرج من مكاتب البرلمان ولم يتم التعامل معه بجدية. وهذا خطأ. ثم من الذي لا يضمن انتقال مثل هذا السيناريو الي أماكن أخري من العالم.. لم يكن ينقص مصر إلا نقل هذا التوتر الطائفي الي العالم في مواجهة ظروف صعبة ودقيقة. في القاهرة تقدم الشيخ يوسف البدري ومعه أحد عشر محامياً الي القضاء الإداري طاعناً في قرار الحكومة المصرية بتسليم وفاء قسطنطين الي البابا شنودة. لأنها كانت قد أشهرت إسلامها. وقامت بممارسة الطقوس الإسلامية من صلاة وصوم بصفة كاملة، وحفظت سبعة عشر جزءاً من القرآن الكريم. أي أكثر من نصفه بجزأين. إذاً فإن تسليمها للبابا جريمة ترتكب في حق مسلم. ولم أعرف حتي كتابة هذا الكلام موقف القضاء المصري من هذه الدعوي التي تشكل تناغماً مع ما يجري في نيوجرسي. إن هناك أكثر من محاولة لإعادة فتح الملف الذي كانت مصر قد أوشكت علي النجاح في تجاهله إن لم يكن غلقه. أحياناً يخيل الي أن سنة 2005 ربما تكون من أصعب السنوات التي ستمر بمصر. وألجأ الي سماء الله العالية. وأهتف: اللهم مرر هذه السنة علينا بخير. وإن كان لابد من الخسائر. أحلم وأتمني أن تكون أقل الخسائر الممكنة. يبقي ما يجري في جريدة مصر اليوم من محاولة لإبعاد رئيس تحريرها أنور الهواري، لقد استمعت الي معظم الأطراف. ولأن قرار تجميد الهواري لم يتخذ بعد أيضاً فإن مادلين أولبرايت لم تقم بزيارتها للجريدة بعد. فإني أترك هذا الموضوع الخطير لرسائل قادمة.