الصورة تكتمل مع تدفق الأخبار عن نتائج القمة - خاصة وأن هذه النتائج ترتبط بموقف فصائل المقاومة - الطرف المهم في المعادلة - الذي يمكن أن يعطي لما تسميه بتهدئة الأوضاع دفعة قوية لتثبيت وتطوير اتفاق وقف إطلاق النار يمكن البناء عليه لبدء المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية .
كما أن حجم هذه الإشارات وأهميتها أيضا ترتب وتكشف عن مواقف الأطراف المشاركة فيها أو التي لها علاقة غير مباشرة بها وهو مايسهم بالطبع في قراءة نتائج القمة حتى قبل أن تبدأ .
في مقدمة هذه الإشارات السرعة التي رتبت بها مصر للقمة والموافقة الفورية للأطراف المشاركة والترحيب الامريكي بهذه المبادرة بما يعيد التأكيد على الدور المصري ومصداقيته وأهميته في دفع عملية السلام وتعزيز الآمال في تحريك المفاوضات التي تراوح مكانها دون تحقيق أي تقدم يذكر .
كما تعكس أيضا مدى الثقة في الجهود المصرية التي تبذلها القاهرة وهي مستمرة فيها سواء على مستوى الترتيبات الفلسطينية عبر إنجاح الحوار بين مختلف الفصائل الفلسطينية والسلطة الوطنية أو على مستوى دعم الاتصالات الفلسطينية الاسرائيلية والحصول على ضمانات كافية لمرحلة مابعد الإنسحاب الذي تتحدث عنه إسرائيل من قطاع غزة ستساعد كثيرا إذا التزمت بها إسرائيل في تهيئة مناخ يساعد على بناء الثقة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
والواقع أن عملية السلام على مسارها الفلسطيني أو السوري والتسوية عموما في الشرق الأوسط لا يمكن أن تتم إطلاقا بعيدا عن الدور المصري كلاعب رئيسي بارز لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال لأنه واحد من المفاتيح الأساسية سواء في الحرب أو السلام وبالتالي لم تكن الإشارة المهمة الأخرى التي ارتبطت بقمة شرم الشيخ وهي الرسالة التي نقلها وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط من الرئيس مبارك للرئيس السوري بشار الأسد بعيدة عن أجواء القمة ولا يمكن إغفالها خاصة في إطار تصريحات الوزير أبو الغيط بعد لقائه الرئيس الأسد من أن «هناك رغبة سورية لدفع الحوار والمفاوضات مع اسرائيل« وأن «ردود الفعل الاسرائيلية (على هذه الرغبة) ستكون لها فعاليتها ومحوريتها«. وهي إشارة تحمل دلالات لها أهميتها في أن تشمل العملية السلمية إطلاق المسار السوري الإسرائيلي ربما في خطوة لاحقة بعد استقرار المسار الفلسطيني على الرغم من الحملة السياسية والضغط الامريكي الإسرائيلي على سوريا على محور لبنان / العراق/ ايران وأخيرا الحملة المتعلقة بصفقة الصواريخ الروسية. وفي هذا الإطار فإن الرسالة الجوابية التي حملها وزير الخارجية المصري في طريق عودته بما «تتضمنه من الرؤية السورية لكيفية التحرك على هذا المسار«. تعزز جدا من هذه الفرضية خاصة عندما تفاجئنا دمشق بخطوة ولفتة نادرة هي الأولى من نوعها بموافقتها على تسويق تفاح الجولان المحتلة في سوريا مرورا عبر معبر القنيطرة وتحت إشراف الأمم المتحدة مهما كانت المبررات - التي ليست في حاجة إليها لتبرير هذه الخطوة الاستباقية في توقيت متزامن مع إنعقاد القمة - كدعم السوريين في الهضبة الذين يواجهون صعوبات في تسويق المحصول السوري المنتج على أرض سوريا لأن الخيار السوري باتجاه السلام واضح وهو ما تحاول القاهرة دعمه من خلال المشاورات المستمرة وآخرها تلك التي سبقت قمة شرم الشيخ وفي إطار قناعة مصرية بتحقيق سلام إقليمي على كافة المسارات وليس سلاما فلسطينيا إسرائيليا ثنائيا.
على الجانب الآخر هناك تضارب في مجمل الرؤية الإسرائيلية التي شهدت إنقساما إزاء استحقاقات المرحلة فجرها الخلاف على قضية الأسرى المفرج عنهم - كبادرة حسن نية كما اعتبرها شارون! مع أنها ورقة مساومة مكشوفة يحاول بها الحصول على أكبر قدر من التنازلات الفلسطينية.
وهي أيضا مناورة مبكرة لما ينتظر المفاوض الفلسطيني بالنسبة لقضايا أعقد بكثير من قضية الأسرى والمعتقلين فهو أي شارون يحاول من وضع الإيحاء بالقوة أن يخرج بكل الصفقة دون خسائر تذكر وهي نقطة خلافية مع شركائه حتى في المؤسسة العسكرية الذين يرون أن شارون يتعامل بمنطق البخيل في رواية تاجر البندقية لشكسبير فإذاعة الجيش الاسرائيلي تنقل عن قائد عسكري كبير أن اسرائيل يجب ان تكون سخية مع رئيس السلطة الفلسطينية الجديد محمود عباس «لمنحه الفرصة« لتحمل مسؤولياته وأن نكون كرماء معه وأن نسمح له بالتقدم بالوتيرة التي تناسبه ومنحه فرصة.
إشارات شارون الواضحة حول المعايير التي يريد أن ينفرد بها للإفراج عن الأسرى ويشترط أن تكون أيديهم غير ملطخة بالدماء متناسيا دماء الفلسطينيين والعرب واتهاماته لأبومازن بأنه لم يفعل شيئا سوى نشر قواته في غزة قبل ان يقوم بخطوات هامة في الحرب على مايسميه الارهاب ورفضه طلبا شخصيا من عباس بالافراج عن ثلاثة معتقلين فلسطينيين اوقفوا قبل ابرام اتفاقات اوسلو عام 1993ومواقف رافضة لهذا التعاطي مع المتغيرات الجديدة التي تسقط حجته في عدم وجود شريك فلسطيني تكشف عن استمرار المأزق الإسرائيلي الذي يعتقد في قدراته العسكرية دون ان النظر لنتائج السياسة الإسرائيلية التي أصبحت معزولة دوليا وتتصف بالتمييز العنصري ويكشف أيضا عن مدى الانقسام في صفوف العسكريين الذي زاد بينهم الشعور برفض الدور الذي يقومون به ضد المدنيين العزل بالإضافة إلى استمرار حالة الاستنزاف والتعبئة تنسحب على فشل نظرية الأمن التي بشر بها شارون واضطرته لترتيبات الانسحاب من غزة مهما كانت مبرراته وتنسحب أيضا على تراجع الإقتصاد.
الإشارات الفلسطينية واضحة هي الأخرى سواء على مستوى السلطة الفلسطينية التي جادلت حول قضية الأسرى كبالون اختبار إسرائيلي باعتبارها على سلم أولوياتها وأنها قد تفشل القمة وهو ما دفع إسرائيل إلى التراجع بالموافقة على تشكيل لجنة مشتركة لبحث المعايير التي يتم بموجبها إطلاق سراحهم وهي وإن كانت خطوة تكتيكية إسرائيلية قد تؤجل الخلافات بشأنها إلا أنها تعكس الموقف الفلسطيني الذي كان يريد صفقة كاملة قبل القمة تؤسس لنجاحها على اعتبار أيضا الكلام عن اطلاق سراح 009 أسير فلسطيني على دفعتين «غير كاف« حيث يريد الفلسطينيون إطلاق سراح كافة الأسرى ويصل عددهم إلى نحو تسعة الآف أسير من بينهم قرابة أربعمائة طفل وعدد غير قليل من النساء وهو أمر قد يساعد بالفعل على إعادة بناء الثقة ويدعم موقف أبو مازن في حواره الداخلي مع الفصائل الفلسطينية .
أما على مستوى الأجندة السياسية فموقف الفصائل بما فيها الجناح العسكري لحركة فتح واضح أيضا في رفض النظر للمسألة الفلسطينية على أنها ملف أو حالة أمنية خاصة بعد تعيين الولايات المتحدة الأمريكية الجنرال الامريكي وليام وورد منسقا امنيا في عملية السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين بحسب الرؤية الأمريكية حماية عملية السلام الآخذة في العودة الى الحياة بين الطرفين وهي خطوة لم ترق إلى ما اعلنت عنه واشنطن الى حد تعيين مبعوث خاص لها للاشراف على عملية السلام في الشرق الاوسط.
وهو متغير جديد قد تعيد الفصائل الفلسطينية تحليله في ضوء نتائج القمة وقد يمثل تحديا لايمكن إغفاله ضمن إشارات امريكية أخرى أبرزها إعطاء القوى الإقليمية دورا بارزا في تسوية الصراع بعيدة عن أي وساطة اجنبية قدر الامكان مع التأكيد في نفس الوقت التزام الولايات المتحدة بالعملية السلمية هذه المرة وهو ما تؤكده دعوة عباس وشارون لزيارة الولايات المتحدة.
ومع ما تثيره هذه الخطوة التي لاقت تحفظا من الفصائل الفلسطينية من قلق لإسرائيل التي ترى في مراقبة الخطوات الأمنية على الجانبين ما يحد من قرارها في تنفيذ عمليات في عمق المدن الفلسطينية كانت هناك إشارة امريكية أخرى تتعلق بالقلق الامريكي بسبب الجدار الفاصل المثير للجدال الذي تقيمه في الضفة الغربية وكذلك القلق الامريكي بشأن النشاط الاستيطاني الاسرائيلي على اراض محتلة.
والواقع أن نجاح قمة شرم الشيخ الرباعية في تحريك عملية السلام مرهون بتوفر نوايا جدية لدى اسرائيل للالتزام بالاستحقاقات المترتبة عليها وعلى مدى الضغط الامريكي على إسرائيل في توفير أجواء إيجابية لإنجاح هذه القمة في إطار ما أسمته وزيرة الخارجية الامريكية بقرارات صعبة لتحقيق تقدم على طريق السلام واقامة دولة فلسطينية وهو ما يفهم ضمنا قناعة امريكية بأن أسباب عرقلة العملية السلمية إنما يعود إلى المواقف المتعنتة لإسرائيل.