يلاحظ المتابع للإعلام السوري ولما ينشره كتّاب سوريون في صحف عربية، منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وجود تنوّع في كيفية تناول المسألة. فهناك في المقام الاول الكتّاب lt;lt;الرسميونgt;gt; الذين يعملون على نقل وجهة النظر الحكومية الى المواطنين من خلال وسائل الإعلام والصحف الرسمية.
البرامج الحوارية التي بثتها الفضائية السورية لم تتسم اجمالاً بأي قدر من lt;lt;الحوارgt;gt;، فبدا المذيعون والضيوف lt;lt;في خندق الدفاع عن المواقف المبدأِية والثابتةgt;gt; لسوريا، وكأن هذه المواقف موضع تشكيك في الوقت الراهن. بل إن لازمة تؤكد على lt;lt;أن سوريا غير متَّهمةgt;gt; في جريمة اغتيال الرئيس الحريري كانت تتكرّر على لسان مقدّم أحد هذه البرامج بصورة تستدعي تحليلاً فرويدياً استناداً الى ما يسمى lt;lt;الإنكارgt;gt; وlt;lt;عودة المكبوتgt;gt;. تتواكب مع هذا التوجه طائفة من المقالات ذُهل أصحابها من مجرد ترداد اسم سوريا في المسألة.
أما الأكثرية من المقالات والتحليلات الإخبارية التي تطرّقت الى الاغتيال، وبعضها كتبه اشخاص يحتلون مواقع وزارية، فكانت تحتوي على كل ما يمكن تصوّره من سقط متاع نظريات المؤامرة التي تُلقي تبعات العملية على قوى تمتد من الإرهابيين السلفيين الى الاستخبارات الأميركية مروراً بالمتَّهم الأول والدائم (والمفضَّل) في جميع الحالات المشابهة، الموساد الإسرائيلي، وصولاً إلى اتهامات غير مباشرة lt;lt;للمراهنين على الأجنبيgt;gt;. تندرج في هذا السياق مقالات حملت تلويحاً مستتراً بمخاطر إخراج سوريا قسراً، على الاستقرار في لبنان. ولعل في البيان الصادر عن وزارة الخارجية السورية، أمس lt;lt;فلسفةgt;gt; هذا الاتجاه وزبدته.
قسم من المقالات التي ظهرت بأقلام كتّاب سوريين، خلت من أي معنى: دروس في تاريخ العلاقات اللبنانية السورية (وفقاً للرواية الرسمية السورية طبعاً) ودعوات الى تعميق التلاحم اللبناني السوري في lt;lt;مواجهة الهجمة الخطيرة التي يشنها دعاة الإمبراطورية الأميركية بهدف تطويق سوريا ومنعها من أداء دورها القوميgt;gt;. نأى كتّاب هذا القسم من المقالات بأنفسهم عن مهمة كان يُفترض بهم أداءها لدى اعتزامهم الكتابة: ففي الوقت الذي ليس من واجب أي كاتب تقديم استنتاجات بوليسية أو تقنية عن الجهة أو الجهات المسؤولة عن الجريمة، فإن من أضعف الايمان التطرق الى الشكل القائم من العلاقات اللبنانية السورية وتقديم افكار لإصلاحه بعيداً عن تكرار التوصيفات التي استخدمت في العقود الثلاثة التي مرّت منذ دخول الجيش السوري الى لبنان، لتبرير سلسلة طويلة من الممارسات اوصلت عشرات الآلاف من اللبنانيين الى النزول في قلب عاصمتهم، يهتفون ضد سوريا.
نتجاوز مقالات دبجها معارضون مقيمون في المنفى وتشكّل عملياً الوجه الآخر للمبالغة الرسمية في تجميل صورة الدور السوري في لبنان، الى مقالات نُشرت خصوصاً في الصحافة اللبنانية لكتّاب معارضين معروفين، الى جانب بيانات موقعة من عشرات المثقفين والفنانين السوريين، تقارب العلاقات بين البلدين من زاوية تسعى إلى التعبير عن تمسك بعلاقات أخوية ما زالت، والأرجح أنها ستبقى، منزّهة عن المصالح والاستفادة والهيمنة.
توجّهات سياسية متباينة تلامس مستويات مختلفة من الوعي، أخطرها ذلك الذي يعمل على تحريض السوريين بصورة غير مباشرة على اللبنانيين. وكأن صدور بعض الأصوات الناشزة في المعارضة اللبنانية يبرر اللجوء إلى خطاب عنصري مقابل.
وفيما لا يُنتظر من الإعلام الرسمي السوري القيام بغير ما يقوم به، فإن مهمات جسيمة تقع على كاهل من يمتلك قدرة للوصول الى الرأي العام في البلدين للقيام بقراءة نقدية وموضوعية للعلاقات بين جانبي الحدود، مادام أن الفرصة لم تفت بعد. وهذه لا ريب مهمة يتشارك فيها اللبنانيون والسوريون.