يُحسب بناء الدولة العراقية الحديثة الأولى 1921- 1958لدور النخب السياسية السنّية التي اعتمدت الرؤية والمنهج الحديثين، وثقافة سياسية علمانية تؤمن بفصل السلطات، ومنفتحة على إنجازات التطور الأوربي في العلوم ومناهج التدريس والتثقيف والصناعة والإقتصاد، ما جعل العراق ينهض كدولة متقدمة في الشرق الأوسط وبمستوى مواكب لما يحدث من تقدم على المستوى الأوربي .

سقوط مرحلة العهد الملكي 1958 وبدء مرحلة العهد الجمهوري، أنتقل العراق من بناء دولة- المؤسسات الى مرحلة الدولة الشمولية وبناء السلطات العسكرية والسياسية، وظهور النشاط العلني للشيوعيين والبعثيين والقوميين، وفي كل هذه المضامين كانت أدوارا ً مميزة للعديد من النخب والقيادات السنّية وهي تشارك بنشاط سياسي وطني نوعي بعيدا عن الطائفية والشللية والمناطقية، إنما في إنتهاج مواقف وطنية وعروبية ذي توجهات تتسم بالعلمانية، بإستثناءات محدودة، طبعا ً.

سقوط العراق تحت الإحتلال الأمريكي 2003 وتسليم السلطة السياسية لأحزاب الإسلام السياسي الشيعية والسنّية برعاية امريكية، وتباري الخطاب والسلوك الطائفي بين هذه الأحزاب في الصراع على النفوذ والمال والسلطة، ظهرت نخب سياسية سنية تحت مسميات مستحدثة في ظل خلافات وشحن طائفي أنتشر على الساحة السياسية والإعلامية، وهبط لمدارج التصفيات الجسدية والعنف الطائفي في المدن العراقية التي تشهد إنسجاما َ وتعايشا ً واختلاطا ً دينيا ومذهبيا ً لم يتأثر على إختلاف التغيرات السياسية السابقة، لكن نظام التمثيل والمحاصصة الطائفية التي أرادها المحتل وهللت لها الأحزاب الطائفية، وجدت صداها لدى بعض التجمعات السياسية السنيّة فولدت حركات واحزاب وتجمعات ذات طبيعة مناطقية وطائفية لكي تشارك في سياقات التمثيل الطائفي للمكونات التي تنتسب لها أو مناطقها في السلطة وامتيازاتها ومنافعها تحت عنوان تمثيل جمهورالسنّة ، وبذات الإيقاع الذي مارسته الأحزاب الطائفية التي تدعي تمثيل الجمهور الشيعي...!

هذا الدور الذي ظهرت فيه الجماعات السياسية السنيّة، أستبدل دورها التاريخي من نخب سياسية علمانية وطنية أقترنت ببناء دولة مدنية بمؤسسات راسخة، الى مجموعات طائفية تبحث عن المنافع والأمتيازات والدور في السلطة وصفقاتها الفاسدة، بمعنى آخر شكلّوا النظير الطائفي للاحزاب الشيعية، فخسروا التاريخ وخسروا الحاضر والدور العلماني الوطني ومشروع بناء الدولة المدنية، والكلام ينحصر بالأحزاب السنيّة ومشاركتها للأحزاب الشيعية في سلطات الحكم المتعددة منذ 2005 لغاية الآن .

أحزاب السلطة السنيّة لاتختلف كثيرا ً عن الأحزاب الشيعية سوى في مساحة النهب والنفوذ، وكل منها خذل المكوّن الذي يدعي زورا ً تمثيله، وفي الوقت الذي ينتشر فيه الفقر والأمراض والتخلف والجريمة في المدن والأحياء الشيعية، فأن التهجير والنزوح والفقر والموت والتشتت كان نصيب السنة ومدنها المدمرة..!

 أرتهان الأحزاب المتسلطة للمنهج والروح الطائفية ونظام المحاصصة سيء الصيت، أضاع الفرصة التاريخية لبناء دولة العدالة الإجتماعية والمدنية والمساواة، وأتاح لهذه الأحزاب وزعمائها بلوغ أهدافهم الذاتية في السلطة وتقاسم الصفقات والمناصب وسرقة ثروات الشعب واحلامه ومستقبله.

زعامات الأحزاب السنية المشاركة بالسلطة أصبحوا عبارة عن مافيات مالية كبيرة، كما شاركوا بنهب وزارات الدولة وإفراغها من أية أهمية إنتاجية، بل أحالوها الى صفقات تستغل لمصالحهم الخاصة، ولم يلتزموا أو يدافعوا عن حقوق الشعب العراقي، وخصوصا المكون السنّي، إنما تقاسموا الفساد مع الآخرين في أسوأ مرحلة إدارية وسياسية يمر بها العراق في العصر الحديث.

الأحزاب الفاسدة جعلت الشعب بمختلف تنويعاته يكتشف لعبة الطائفية السياسية التي أنتهت الى تدمير الوطن والشعب، وإثراء هذه الجماعات التي تخلت عن الضمير الوطني، وهي تشاهد ملايين البشر تحت طائلة الفقر والتشرد والعذاب، ومن هنا فأن شخصية السياسي السنّي المشارك في السلطة، تحضر بكونها رمزا ً للفساد واللصوصية وضياع حقوق أبناء المكون السنّي، كما تأتي في ذات الإطار شخصية السياسي الشيعي أمام جمهوره المخدوع .