حين كان مسعود بارزاني يتباحث مع الرئيس التركي وقادة حكومته في طريق عودته من ميونيخ الألمانية، روجت وسائل إعلام حزبه لبشرى إجتماع موسع سيعقده بارزاني مع الأطراف السياسية بإقليم كردستان لتطبيع الأوضاع الداخلية ومعالجة الأزمات السياسية والإقتصادية المستفحلة فيها تمهيدا لإعلان الدولة الكردستانية المستقلة في الربيع الموشك هل هلاله.. وكانت تلك الوسائل الإعلامية قد سبقت زيارة البارزاني الى تركيا بنشر أخبار سارة جدا تتمحور حول نيته للتباحث مع الجانب التركي في مسألة تأسيس الدولة الكردية المرتقبة،وكذلك تدخل السيد بارزاني لدى الرئيس أرودغان لإطلاق سراح القيادي الكردي الكبير المناضل صلاح الدين دميرتاش من سجنه، ودعوة القيادة التركية لإستئناف عملية السلام المتوقفة بينها وبين حزب العمال الكردستاني..

ولكن يبدو أن تلك البشائر تحولت الى مفاجئات غير سارة للشعب الكردي، فلا بارزاني طرح فكرة إنشاء دولته المستقلة على الجانب التركي،ولا تجرأ بالشفاعة لدى أرودغان لإطلاق سراح دميرتاش، ولا أثار مسألة إستئناف عملية السلام بتركيا..فكل تلك الأخبار السارة تحولت الى فقاعات إنفجرت حال عودة السيد البارزاني من زيارته..أما بشائر الربيع فتحولت الى هجمات عسكرية على مدينة شنكال من قبل جحوش مرتزقة تابعين لحزب السيد بارزاني تحت ىإسم" بيشمركة روزئافا". وهي مجموعات مسلحة شكلها بارزاني بدعم من تركيا لمحاربة حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي السوري داخل كردستان الغربية.

أثناء إندلاع أزمة إحتلال الكويت،كانت وسائل الإعلام التابعة لنظام صدام الدكتاتوري تصف الغزو العراقي لأراضي دولة الكويت بالتمهيد للوصول الى فلسطين وتحرير القدس الشريف، ولكن تلك القوات حولت وجهتها شطر العاصمة الكويتية ونفذت فيها أبشع جرائم الحرب ضد السكان المدنيين هناك،وعين الشيء فعله بارزاني حين دعم هجمة جحوش روزئافا بالسلاح والجند لاعادة إحتلال مدينة شنكال التي حررها مقاتلو حزب العمال الكردستاني بدمائهم وتضحياتهم..

تقول قيادات حزب بارزاني أن مبررات الهجمة الأخيرة على شنكال هي فتح طريق إدخال جحوش روزافا الى داخل أراضي كردستان سوريا عبر منطقة "خانةسور" وهي منطقة حدودية تبعد بعشرات الكيلومترات عن مدخل الجانب السوري، وهناك طرق عديدة أٌقرب الى تلك الحدود من دون عوائق على إعتبار أنها مناطق خاضعة لسيطرة حزب بارزاني،لكن الجحوش المرتزقة يرفضون الدخول منها الى كردستان الغربية، وهذا دليل واضح ومؤكد على النية المبيتة للقتال، وبأن الهدف ليس المرور نحو الأراضي السورية، بقدر ماهوإفتعال لهجمات على سكان شنكال وإعادة إحتلالها من قبل جحوش بارزاني بهدف طرد مقاتلي العمال الكردستاني من الحدود القريبة لتركيا، وكل ذلك كان ثمرة اللقاءات التي أجراها بارزاني في زيارته الأخيرة الى تركيا مع كل من أردوغان وبينالي يلدرم..

أهداف الغزو الثاني لسنجار بعد داعش جلية وواضحة وضوح الشمس، وهي إفتعال قتال كردي كردي" قتال الأخوة" ثم توسيع رقعتها بهدف دفع بارزاني لإستقدام القوات التركية الى داخل إقليم كردستان وتحديدا تكثيف تواجد قوات الجندرمة التركية على الحدود تمهيدا لشن هجوم واسع النطاق خلال الأشهر القادمة على معاقل حزب العمال الكردستاني في جبل قنديل.

طبعا أردوغان المقبل على إستفتاء حول تعديلاته الدستورية بحاجة ماسة الى كسب التعاطف الشعبي لصالح دستوره المعدل من خلال إفتعال حرب جديدة ضد العمال الكردستاني وإظهار نفسه أمام شعبه بأنه يحارب الإرهاب وأنه كقائد للدولة والعسكر يحتاج الى صلاحيات أوسع ليتمكن من دحر" الإرهاب" الكردستاني.وما يقوم به بارزاني وحزبه ومرتزقته ما هي الا لإشعال فتيل حرب بالنيابة عن تركيا، وإلا فإن تواجد حزب العمال الكردستاني في مناطق سنجار ذات الأغلبية الإيزيدية،هو وجود مرحب به من قبل السكان الإيزيديين على إعتبار أن مقاتلي الكردستاني كانوا الوحيدين الذين وقفوا بوجه داعش وحرروا بلدتهم من براثنه، فيما يرفض السكان برمتهم عودة حزب بارزاني الى منطقتهم لأنه باعهم لداعش ولم يواجهونه حين نفذ جرائمه النكراء بالقتل وسبي نسائهم وإستعبادهن.

أتوقع أن لاتقف الهجمات الحالية عند حدود ماحصل لحد الآن، بل أن هناك نوايا مبيتة بإفتعال الحرب بين قوات بارزاني والعمال الكردستاني ثم دخول الجيش التركي لصالح بارزاني وتوسيع رقعة الحرب الى حرب إقليمية قد تودي بتجربة حكم إقليم كردستان وتقضي على آمال الشعب الكردي بتأسيس دولته المرتقبة وسيمزق وحدة الصف الكردي أكثر مما هو ممزق فعلا بسبب سياسات بارزاني المتعنتة، لأن هذه الحرب القذرة المخطط لها لاتحظى بأي دعم من قبل القوى الكردستانية الأخرى فيما عدا حزب بارزاني الذي ينفذ أجندة تركية في المنطقة.

السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو"هل سيقود بارزاني نظامه الإستبدادي نحو كارثة شبيهة بالتي قاد صدام حسين شعبه إليها بإحتلاله للكويت وما أفرزتها تلك المغامرة الطائشة من تداعيات خطيرة على العراق إنتهت بتقويض وسقوط نظامه الديكتاتوري، أم أن بارزاني سيصحو ولو لمرة واحدة لتلافي تلك الكارثة المحققة ويحول دون إنهيار تجربة الإقليم من خلال رص صفوفه الداخلية والتعاون مع الأحزاب والقوى الكردستانية الأخرى لإعادة ترتيب البيت الكردي وتوحيد الجهود لتجاوز الأزمات المعيشية الحالية"؟.

إن ماحصل في منطقة شنكال وما سيترتب عنها لاحقا يعري كل الشعارات الديماغوجية التي طرحها بارزاني وحزبه حول الوحدة القومية وتأسيس الدولة المستقلة،وحول كون بارزاني هو زعيم الأمة الكردية الحريص على وحدتها وعزتها.. دعونا ننتظر تعليقات طبالي ومرتزقة إعلام حزب بارزاني لتبرير تلك الهجمات غير المبررة على قوات حماية شنكال، بعد أن أكد رئيس كتلة حزب بارزاني في برلمان كردستان قبل أيام" أن ما يجري في شنكال ليس قتال الأخوة، بل هو قتال بين جبهة الداعين لتأسيس الدولة الكردية والقوى الرافضة لتأسيس تلك الدولة الخالدة"!؟.