من المؤسف ان تبقى العقلية السائدة في صياغة القرار لدى مراكزها في كل من طهران وانقرة أسيرة القيود العنصرية والطائفية المتخلفة عند تناول القضية الوطنية الكوردستانية فمع أي تقدم تحرزه حركة التحرر الوطني الكوردستاني تنبري هذه الأوساط لتؤكد على قدسية الخرائط التي رسمتها المصالح البريطانية والفرنسية الاستعمارية في اعقاب الحرب العالمية الأولى قبل قرن من الزمان.

العاصمتان تبديان حرصا غريبا على ما يسمى بوحدة العراق وسوريا وترفضان المساس بهذه الحدود الاستعمارية التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو دون أي احترام لإرادة ورغبة مكونات المنطقة وتسببت في كوارث وجرائم لا تعد ولا تحصى بحق هذه المكونات وفي مقدمتها الشعب الكوردي الذي تم تقسيم بلاده بين الدول الأربعة وتعرض في المائة عام المنصرمة لكل صنوف الاضطهاد والقمع وحملات الإبادة الجماعية.

مراكز القرار في طهران وانقرة المعادية لتطلعات مكونات المنطقة في إعادة رسم خارطتها وفق إرادتها، كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال خشية العاصفة، فالوقائع على الأرض تشير بوضوح الى انهيار هذه الحدود المصطنعة وانه لم يعد ممكنا اخماد صوت المطالبة بالحرية والعدالة والسلام بالفرق العسكرية والدبابات المجنزرة خاصة في عالمنا المعاصر الذي يشهد تطورا ملحوظا في مجال احترام إرادة الشعوب وحقوق الانسان والرغبة في الامن والاستقرار ويرفض هذه العقلية المتخلفة المتحجرة الرافضة للآخرين ناهيك عن شبكة المصالح الدولية والإقليمية المعقدة التي على الاغلب لن تسمح بتمدد اية قوة خارج الأطر المتعارف عليها دوليا كما لن تسمح لأي طرف بان ينصب نفسه شرطيا في المنطقة على حساب الاخرين.

بقدر تعلق الامر بالمسألة الوطنية الكوردستانية والشعب الكوردي فان المواقف العدائية والمتشنجة وتحريك المرتزقة هنا وهناك من قبل هذا الطرف او ذاك ولأي سبب (رفع العلم الكوردستاني في محافظة كركوك مثالا) لن تجدي نفعا وليس في مقدورها الغاء الحقائق على الأرض ولا وجود الشعب الكوردستاني في قلب الشرق الأوسط بملايينه العديدة.


لقد ان الأوان لكل من طهران وانقرة ان تتخلص من الفوبيا الكوردية ومعاداة كل ما هو كوردي قبل ان يؤدي هذا الرهاب الى كوارث جديدة لن تسلم العاصمتان من تبعاتها السلبية على مجتمعاتهما وستترك جروحا عميقة في بنية العلاقات الإنسانية في المنطقة ومن الاجدى والأولى بمراكز القرار فيهما ان تفتح صفحة جديدة مع كوردستان وشعبها المكافح من اجل حريته والذي يتقدم بقوة لا فقط بسبب تضحياته الكبيرة في الوقوف بوجه الارهاب العالمي وانما أيضا بسبب كونه مجتمعا منفتحا حضاريا يرغب في السلام والتعايش والتعاون المثمر ويحوز على احترام وتأييد كل القوى المحبة للحرية والعدالة لتحقيق طموحاته المشروعة.

خرائط سايكس بيكو تلفظ أنفاسها الأخيرة وتمسك البعض بها لا يغير من حقيقة انها انتهت وان احتاج دفنها الى فترة قصيرة من الزمن.
[email protected]