في حديثه لصحيفة "إيلاف" الاسبوع الماضي، أكد رجل الدين العراقي المعتدل، رئيس منتدى الوسطية "الشيخ رحيم ابو رغيف" ان "الإسلام السياسي أخفق وفشل فشلا واضحا على أرض الواقع، ليس في العراق فحسب، وأكثر من تجربة للإسلام السياسي تدلل على ذلك. ففي عقر دار الإسلام السياسي في مصر، حيث نشأ الإسلام السياسي المعاصر إخوانيا، وكل التيارات التي تمثله اليوم شيعية كانت أو سنية، فهي تستمد حضورها الفكري والمعرفي من رحم الإخوان، ولذلك فإن حزب الدعوة الإسلامية هو النسخة الشيعية من الإخوان المسلمين، ولا يختلف من الناحية الحركية عن الإخوان، بل إن حتى مسمياتهم تجدها متماهية.

الإسلام السياسي خلال ما عبّرنا عنه بالربيع العربي، في قول بلا دليل، في الحقيقة هو ربيع إخواني، وهذا الربيع أتى على الإسلام السياسي، وأظهره على حقيقته، بمعنى أثبت أن التجربة الدينية إذا ما تسيست فإنها أنتجت الفشل والفساد والإخفاق، وبات هذا الأمر معروفًا لكل الناس، لاسيما في العراق، حيث التجربة مريرة، وكما تلاحظ الآن فإن الفساد والفشل وعدم المهنية والإخفاق ونقل المجتمع العراقي من المواطنة إلى المكون عنوان حكم الإسلام السياسي في العراق، وأبعد من ذلك، يمكن القول إن آخر وجه من وجوه الإسلام السياسي هو "داعش". انتهى الاقتباس.

ما قاله "الشيخ" ليس بجديد، وهو يشكر عليه كونه صادرا من رجل دين قال كلمة الحق. فقد اثبتت تجارب حكم الاسلاميين في كل من تونس ومصر مدى محدودية شعاراتهم التي كانوا يلخصونها في عبارة واحدة هي "الاسلام هو الحل"، من دون ان يقدموا في كل أدبياتهم رؤية واضحة لإخراج الامة العربية من مشكلاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تراكمت عبر تاريخ طويل من التسلط السياسي والتخبط الاقتصادي والفساد المالي والإداري، حيث عجزوا عن تطوير مشروع سياسي يتوجه الى المواطنين بكل فئاتهم ومكوناتهم الدينية وليس فقط الى اتباعهم ومناصريهم. وبدلا من يركزوا على ملفات التنمية والتطوير ومحاربة الفساد وتكريس مفهوم حقوق الانسان، اهتموا بموضوع الهوية ومحاولة تغيير انماط المجتمعات، فوجدوا أنفسهم يدورون في حلقة مفرغة ادت الى تدهور الاقتصاد والامن. 

ويمكن ارجاع الفشل السياسي للأحزاب الإسلامية الى الآتي:
أولا: غياب الخبرة السياسية بمعناها العام والشامل، وانعدام الخبرة في إدارة شؤون الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها المختلفة، فقد دخلت الأحزاب الإسلامية معترك السياسة اعتمادا على شعارات فضفاضة، دغدغت بها عقول قواعدها الشعبية شبه الأمية.
ثانيا: حالة الغرور والأثرة والاستعلاء التي سيطرت على تفكير اغلب قادتهم، فهم يعتقدون انهم وحدهم من يمتلكون الحقيقة المطلقة دون غيرهم من الناس. وفي كثير من الأحيان كانت تصدر من قادتهم وبعض كوادرهم الكثير من نظرات الاستعلاء والاستصغار والاستخفاف ضد المكونات الأخرى في مجتمعاتهم.

ثالثا: نكثهم للعهود التي يقطعونها على أنفسهم. على سبيل المثال: أعلن الاخوان في مصر انهم لن يسعوا الى الاستحواذ والاستئثار على مقاعد البرلمان وسيتيحوا مجالا لبقية المرشحين المستقلين والحزبيين، ولكنهم دفعوا بمرشحيهم لكل الدوائر الانتخابية وحصدوا نصف مقاعد البرلمان تقريبا، وشكلوا هيئة الرئاسة واستأثروا بأغلب لجان المجلس. كما صرحوا بعدم نيتهم ترشيح أحدا للرئاسة، ولكنهم فاجئوا الجميع بمن فيهم المقربين منهم والمناصرين لهم بقرار ترشيحهم "خيرت الشاطر"، ولما تم رفض ترشيحه قانونيا استبدلوه بـ "محمد مرسي".

رابعا: محاولتهم اقصاء كبار موظفي الدولة البيروقراطيين الذين يسيرون أمور الدولة منذ سنوات طويلة من مناصبهم، واستبدالهم بأشخاص ينتمون الى تياراتهم السياسية لا يملكون الخبرة الكافية في هذا المجال الحساس والمتشعب. 

إدارة الدولة شأن دنيوي تركه الله للعقل البشري يمارسه ويطوره حسب حاجة الناس في كل زمان ومكان، وكل ما حثت عليه الأديان في شأن حكم الناس وإدارة شؤون حياتهم هو العدل والمشورة. مفهوم العدل ثابت ولا يتغير بتغير الزمان، اما مفهوم الشورى فيتغير ويتطور بتغير الزمان، فبدلا من ان يكون محصورا في اهل الحل والعقد كما كان في عهد الخلفاء الراشدين، أصبح في الحضارة الحديثة من حق كل مواطن ان يكون له رأي فيمن يتولى زمام الحكم وذلك عن طريق الانتخابات الحرة والمباشرة.
قد يشير البعض الى تركيا كمثال او نموذج لنجاح حكم الأحزاب الإسلامية. ولهؤلاء نقول: ان تركيا دولة مدنية علمانية، يحكمها حزب ذو توجه إسلامي. دستورها ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية كلها تدعم الطبيعة المدنية للدولة.