كالعادة، بعد كل عمل إرهابي، يبدأ الحديث عن تجديد الخطاب الديني، والقصور الأمني، وإقالة وزير أو مدير أمن، ثم تكثر الثرثرة على الفضائيات ممن يطلقون على أنفسهم "محللين"، وينتهي الأمر وتمر الأيام، ويكون النسيان هو المتصدر للمشهد، لنلتقط أنفاسنا وننتظر عملا إرهابيا جديدا، هذا هو ما حدث منذ أشهر عندما تم تفجير الكنيسة المرقسية بالعباسية، ليتجدد المشهد الآن مع كنيسة مار جرجس بطنطا، والكنيسة المرقسية بالإسكندرية، دون أن نحاول محاربة الإرهاب باسلوب علمي، وجلب الأجهزة التكنولوجية المتقدمة من الخارج، للكشف عن المتفجرات من قنابل أو أحزمة ناسفة لمنع وصول الإرهابيين إلى أي منطقة حيوية أو دور عبادة، والحد من هذه الجرائم التي تستهدف الدولة المصرية وتضرب النسيج الاجتماعي في مقتل بهدف إحداث فتنة طائفية لتمزيق الوحدة الوطنية.

وقبل كل ذلك، لم ينجح الأمن المصري حتى الآن، في حماية الكنائس، حتى تحولت أعياد الأخوة الأقباط إلى مآتم وجنائز تدمى لها القلوب، فهل من المعقول أن قوات الأمن لا تستطيع تنظيم "كردون أمني" حول الكنائس وقت الاحتفالات بالأعياد المسيجية، وإقامة نقاط تفتيش ببوابات إلكترونية قبل عشرات الأمتار من مبنى الكنيسة، وهل فشلت في تفتيش كل من يمر إلى داخل الكنيسة بمسافة لا تسمح للإرهابي الانتحاري من الوصول إلى جمهور المصلين داخل الكنيسة، على الأقل للتقليل من أعداد الضحايا في حال نجح الانتحاري في تفجير نفسه على مسافة كبيرة من مبنى الكنيسة.

تساؤلات كثيرة لا إجابة عليها سواء من الجهات الأمنية أو من كشافة الكنيسة الذين يتولون مهمة تفتيش القادمين للكنيسة، كذلك عدم القدرة حتى الآن على تجديد الخطاب الديني ومحاربة الفكر المتطرف التكفيري، من جانب الأزهر ووزارة الأوقاف، نتيجة فقدان الجرأة في تنقية الموروث الديني المليء بالفتاوى التي تدعو إلى سفك الدماء، وتكفير المجتمع، إضافة إلى المنظومة الأمنية الفاشلة التي تعتمد على أساليب بالية لا تتفق مع المرحلة، في حين يستخدم الإرهاب أساليب حديثة في ضرب أمن مصر، وبذلك يتفوق على الأمن، في استخدام وسائل التكنولوجيا، بعد أن اعتمد الإرهابيون على الإنترنت والمواقع الإلكترونية، للتواصل فيما بينهم لتنفيذ العمليات الإرهابية، ونحن ما زلنا نواجه هذا الإرهاب الأسود بعصا و"شومة" الأمن المركزي.

لكن من المهم أن نعلم أن تنظيم داعش، لا يستثني أي دولة من إرهابها الأسود، ويجب أن نعلم أن عناصر كثيرة من الإخوان قد انخرطوا في هذا التنظيم، وانضموا إليه بعد مبايعة تنظيم بيت المقدس بسيناء لقائد داعش أبوبكر البغدادي، لذا لا شك أن الإخوان متورطون في هذه الجرائم البشعة، فهذه الجماعة كارهة للوطن، وتسعى إلى هدمه بكل الوسائل، وتدمير مقدراته، مستغلين حالة الفقر المنتشرة بين فئات المجتمع المصري، فهذه الجماعة تغري الشباب بالدولارات وجهاد النكاح للانضمام للتنظيم، وبعد إقناع أحد الشباب، الخاضع لعملية غسيل مخ، بتفجير نفسه بحزام ناسف، ووعده بالجنة عن طريق تاجر دين، يتم وعده أيضاً بحصول أسرته على أموال تؤمن مستقبلها مدى الحياة، وهذا نتيجة الإحباط الذي انتشر بين الشباب، واليأس من غد أفضل، لدرجة أن الشاب من هؤلاء لا يتردد في بيع نفسه للشيطان من أجل المال، والمتعة الجنسية من خلال مضاجعة النساء التي اتخذها داعش سبايا من بلاد الشام وغيرها.

كل هذه أسباب يجب أن نعالجها بأسلوب علمي، بعيداً عن الثرثرة التي لا تقدم ولا تؤخر، لكن أهم سبب في رأيي هو "الفقر"، الذي ينخر في جسد المجتمع، ويدفع شاباً إلى تفجير نفسه نتيجة حالات اليأس التي تسيطر عليه وتصيبه بالاكتئاب، أمام إغراءات لا حدود لها من جانب تنظيم دولي يتم تمويله من أنظمة وأجهزة مخابراتية دولية.. تنظيم يمتلك المال والقدرة على التأثير على هذا الشباب الفقير، ويدفعه لكره الوطن وتكفير المجتمع، ويقنعه بأن الحزام الناسف هو طريقه إلى الجنة.

كاتب صحفي

[email protected]