بسبب الظروف السياسية الاقليمية المعقدة التي تحيط باقليم كردستان، وتحالف البرزاني وحزبه مع تركيا وتقارب الطالباني وحزبه مع ايران، ونتيجة لبقاء الخلافات القائمة بين بغداد واربيل، وتوازيا مع الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية التي يعاني منها شعبنا الكردي، وتعمد السلطة الحاكمة على صنع وابقاء المشاكل الخانقة واصرارها على تهلكة المواطنين وابادة الموظفين بالادخار الجشعي، واستقراءا لعامل التمدد التركي في المنطقة لغايات عدوانية ومنها محاربة الكرد اينما وجدوا ولو كانوا في امريكا الجنوبية، وسط هذه الاجواء المغيمة تمكن الرئيس التركي السيد اردوغان وبالتحالف مع السيد البرزاني من تثبيت اقدامه على ارض وسلطة الاقليم وبتحدي واضح للعراق وللقوى الاقليمية والدولية المتواجدة في المنطقة، وتمكن السلطان العثماني من فرض نفوذه على القرار السياسي والامني والعسكري والاقتصادي للاقليم، وبسط سيطرنه على قطاعات النفط والتجارة والمال بقوة، وحول الاقليم الى ولاية تركية يرفرف عليها العلم الكردستاني باشارة منه مع فرض التسمية التركية ادارة الشمال العراقي في الخطاب السياسي والاعلامي.
وخلال الأزمات الاخيرة بالاقليم انكشف الدور المخفي لتركيا بوضوح كبير للعامة والخاصة، وتبين ان اردوغان هو الحاكم الفعلي للاقليم وهو اللاعب الرئيسي المتحكم بالنفط الكردي، وما من برميل مسوق عبر جيهان الا وله حصة وحصص لشخصبات واطراف تركية وكردية على حساب شعب الاقليم، اضافة الى نهب حصة اخرى من النفط غير معلنة عن كميتها تسلم الى انقرة لسد حاجتها من الطاقة بنسبة 40% وبسعر زهيد حسب تقارير صحفية تركية، والأدهى من كل ذلك وحسب كشوفات لنواب من برلمان كردستان اضافة الى الكميات المنتجة المعلنة عنها شهريا فان كمية اخرى تقدر بنصف مليون برميل من نفط الاقليم تذهب هباءا بالجيب بين السيد اردوغان ومجموعة كردية حاكمة، ويخمن انتاج النفط الكردي من قبل بعض النواب بمليون وربع المليون برميل باليوم تقريبا يذهب نصفها الى مافيات تركية وكردية.
والمشكلة الحقيقية في هذا المسار هي ان تركيا غير مستقرة في قرارة مواقفها السياسية والاقتصادية، وهي تذهب دائما صوب بوصلة مصالحها وكثيرا ما بدلت موقفها بزاوية منفرجة كاملة من اجل منافعها، والحدث الاخير بعدم تصويت انقرة على قرار بخصوص اسرائيل والقدس والاقصى في منظمة يونيسكو مؤشر واضح على صحة هذا القول، والمؤشر الاخر هو ان الاتفاق النفطي المبرم بين السيدين اردوغان والبرزاني يراعي فقط المصالح التركية ولا يراعي المصالح الكردية بدليل ان شعب الاقليم قد اوقع عمدا من قبل اردوغان والسلطة الحاكمة بالاقليم تحت وطأة سلسلة من الأزمات الاقتصادية والسياسية والمالية والاجتماعية، ولهذا لا يستبعد تقلبات تركية تجاه الاقليم في المستبل القريب، وبالتالي تعريضه الى مخاطر كبيرة، كما حصل عندما دفعت انقرة تنظيم داعش الارهابي الى الهجوم على اربيل، ولولا ايران والولايات المتحدة وبيشمركة حزب الطالباني لذهبت العاصمة ادراج الرياح مثل الموصل.
ويبدو ان الثمرة الوحيدة للاتفاق النفطي البعيد المدى هي فقط ضمان الرعاية التركية للسيد مسعود البرزاني وعائلته وعشيرته وحزبه الحاكم، وهذه الرعاية يبدو انها مشروطة بحاكمية شبه مطلقة للسيد اردوغان على الاقليم في منطقة نفوذ الزون الاصفر، والسيطرة التركية القائمة على تسويق النفط واستهلاك المنتوجات وفرض الشركات والتحكم بالاقتصاديات والاسواق حالة ملموسة ومحسوسة في الواقع وبتنسيق تام مع مسؤولين واقلية من افراد السلطة على اساس المصالح والمنافع الذاتية المتبادلة.
والمؤسف ان الحاكمية الاردوغانية على الاقليم مسلم بها من قبل البعض والمتسمة بطابع الاحتلال للسيطرة على موارده من الطاقة والتجارة والاقتصاد، احتلال مسخر من احل مصالح انقرة بالتحالف مع حزب كردي حاكم، والمعادلة السياسية للاقليم مختلة تماما ومنظمة ومرتبة فقط لصالح اردوغان والبرزاني، ويبدو ان محاولات تغيير هذه المعادلة ليست بالسهولة المتوقعة، والقوى السياسية الكردية لحد الان لم تقدر على احداث تغيير في هذه المعادلة المتسمة بالعدوان على الاقليم، ومادامت هذه الحاكمية مفروضة لن يجد الاقليم خيرا لصالح شعبه ولا لصالح أجياله في الحاضر ولا في المستقبل، وعملية الاستفتاء ما هي الا فبركة اردوغانية برزانية لحماية وادامة المصالح النفطية والاقتصادية المشتركة بينهما، وللتحايل على كرد الاقليم لاطالة عمر الرئاسة اللاقانونية والبقاء على نظام الحكم الحالي الفاسد وقطع الطريق امام عودة شرعية البرلمان الكردي.