قامت قوات تابعة للتحالف الغربي بضرب رتل من القوات السورية وبعض القوات المتحالفة معها من المليشيات، التي كانت في طريقها الى جنوب شرق سوريا وقريبا من الحدود السورية الاردنية. وفي التحليلات السياسية التي تم اتفاحنا بها من قبل بعض مؤيدي النظام السوري، ان مثل هذه الضربات لا تحمل منطقا معينا وهي تعتبر عدوانا على سيادة الارض او الدولة السورية. متناسين اصلا ان مفهوم السيادة في مثل هذه الدول هو للاستعمال الداخلي ولاسكات اصوات في الشعب، لانه اصلا ان هذه الدول لم تعترف لا بسيادة اراضي دولتها ولا بسيادة جيرانها الاخرين. والحقيقة تقال ان الدولة السورية وحكوماتها المتتالية لم تكن الوحيدة في ممارسة هذا المنطق، بل انه كان سائدا ولا يزال في دول المنطقة. فالدولة السورية لم تحترم سيادة لبنان وارضه ومواطنيه، وبلا اي مبرر حقيقي تحكمت فيه وفي مصيره لسنوات طويلة، ولم تخرج منه الا بعد ان تم تضييق الخناق عليها، ودفعها للخروج جارة اذيال الخيبة. صحيح انها تمكنت من ان تدمر بلدا بنى نفسه بسواعد ابناءه وبلا امتلاك اي موارد نفطية، بل بالتجارة والسياحة والاعلام. الا انها لم تتمكن من ان تبنى لها دولة يمكن ان يسمى وطنا.
ولكي لا يكون الكلام على عواهنه، لنحاول ان ندرس او نستقرئ مسار الاحداث، بعد اندلاع الربيع السوري والذي تحول الى جحيم سوري حقا لكل السوريين، نتيجة لسؤ ادارة البلد ونتيجة بالاحرى لانتفاء او اختفاء مفهوم الوطن، لدى الطبقات الحاكمة. فالذي يحكمها هو مفهوم الطائفة والدين، والذان لا يعترفان بالوطن، بل بالدين اوكوناته الطائفية كاساس للتساوي بين افراده.
ان سورية اليوم جغرافيا وتاريخيا، هي وريثة الحضارة الاشورية الارامية السريانية، اي ان عمرها التاريخي والحضاري يكاد ان يتجاوز الخمسة الاف سنة، من التراكم الحضاري. وبهذه المواصفات كان يجب ان يكون لاغلبية سكانها انتماء لهذه البقعة التي تكونت فيها البدايات الاولى للحضارة الانسانية، وان يكون هناك فخر لهذا الانتماء وان يكون هناك فخرا بالانسان النابع من هذه الارض، باعتباره سليلا لام الحضارات. ولكن اسلمة الانسان، ترتب عليها، سلخه من محيطه وتاريخه، ودفعه ليفتخر بارض وتاريخ مصطنع في الغالب، عاش عالة على ما انتجه الانسان صاحب الارض الحقيقي وامتص قدرات هذا الانسان، حتى جعله فقيرا معدما غير قادر على الانتاج والاضافة، غير الاستسلام امام الضغوط واعلانه اتباع الدين المستقوي بالقوة. لكي يتخلص من الضغوطات التي رمت الى امتصاص الحياة منه ايضا.
ما قلته هو حدث تاريخي امتد لمئات السنين، ظهر فيه الانتصار بالعدد للدين الجديد، ولكنه اظهر مدى تحول المنطقة تدريجيا الى منط\قة فقيرة لا يحكمها منطق معين في الادارة والانتاج والتراكم الحضاري. فما تم تعليمه او تلقينه من دور للدولة الاموية او العباسية لم يكن في الحقيقة الا حروب وهجمات حملت معها المزيد من السبايا والقتلى واموال الجزية والخراج التي فرضت تحت طائلة تكرار عمليات الانتقام. اي انه لم يظهر اي نوع من انواع التوحد او الشعور بان الجميع ابناء وطن. واذا كان مثل هذه المفاهيم حديثة العهد حقا، فانه من المؤسف ان نقول ان انشاء او اقامة الدول الحديثة، في الحقيقة لم يبنى على اساس الوطن، وان ابناء متساويين في الحقوق والواجبات. قد تظهر بوادر مثل هذه المبادرة لبناء وطن حقا، ابان وجود الاستعمار الفرنسي او البريطاني وبعد زوال الاستعمار وخصوصا في السنوات العشرة التي بقت له تاثيرات معينة. الا ان الانقلابات العسكرية، والتي كانت كعودة ظواهر الدويلات الطائفية والعشائرية والعائلية التي سادت خصوصا في نهايات الدولة الاموية وما بعدها. 
من اجلى صور الوطن، هو وجود ممارسة فعلية للمساواة بين الناس، امام الادارات المختلفة في الحكم. وقد تطور مفهوم المساواة ليشمل الحق في ابداء الراي بكل ما يتعلق بالوطن ومستقبل. والذي حدث في سوريا وغيرها من بلدان المنطقة، كان وجود تيار عريض يطالب بالتغيير، بالرغبة في المشاركة الفعالة في ادارة البلدة، ومن هنا كانت التظاهرات والاعتراضات التي عمت سوريا قبل سنوات، وكانت حقا تظاهرات سلمية جهد انصار النظام لتحويلها الى نشاطات مسلحة من خلال الاعتدات المتكررة على المعارضين.
وهنا يحق لنا ان نتسأل هل حقا كان انصار النظام يؤمنون بالوطن، وبما يفترض ان تنشره هذه الكلمة ((الوطن)) من المفاهيم؟ باعتقادنا لا النظام ولا غالبية المعارضة تؤمن بشئ اسمه الوطن، والا لامنت بالمواطن،وتعاملت معه على انه المقدس في الوطن. فقد عمل الطرفان كل ما بوسعمها لتجريد الانسان في هذه البقعة من كل ما يتعلق بالكرامة، وتم استهدافه في حياته. لان الانسان بين الطرفين كان اما معي او ضدي، اما مؤمن او كافر، لا ثالث لهما، ومن هو ضدي او الكافر مستحق للقتل.
اذا الطرفين ونخص النظام بالدرجة الاولى، لانه كان قادرا ان يوجه اللعبة السياسية باتجاه ايجاد حلول سلمية حقيقية، لا يحق لهما ان يتغنيا لا بالسيادة ولا بالاستقلال، وخصوصا ان مفاهيم السيادة والاستقلال، قد تغييرت منذ ان اجتاح النظام العراقي الكويت. فالبلد الذي لا يحترم مواطنيه ويجرم يوميا بحقهم، لا يحق له ان يتحجج بالسيادة او بالاستقلال. السيادة والاستقلال تعني المواطن الحر اولا وقبل كل شئ.
الانظمة التي تفرض او تقبل ان يفرض على شعبها مختلف العقوبات، لا بل تحتمي بهذه الشعوب وبضعها من العدالة الدولية. والانظمة التي تتهرب من مسؤليتها في تحمل نتائج افعالها. هي انظمة اجرامية. 
ان تعلل النظام بالارهاب وهو سبب مجيئه، لانه عمل كل ما بوسعه من اجل اخضاع الشعب بالقوة، واغلق كل ابواب الدولة امام التواصل مع المتغييرات الدولية وسد كل سبل الحوار بين مكونات المجتمع السياسية والاثنية والدينية. جعل اطراف كثيرة تنخدع بشعارات الارهابيين، وتلجاء اليهم طالبه مساعدتهم.
لا يحق لاي نظام، ان يشتكي من ان الاخرين يتدخلون في شؤون بلده، في وقت هو عمل كل ما في وسعه من اجل التدخل في شؤون الاخرين، لا بل حكم بلدان اخرى بالحديد والنار واستغل قدرات وامكانيات هذه البلدان لصالحه الخاص ولصالح مريديه. لا بل ان التفرقة ومحاولة تهميش اطراف معينة من المشاركة في ادارة بلدانهم، هو ضؤ اخضر يمنحه كل من يطبق مثل هذه السياسيات، للتدخل في الشأن الداخلي ودعم من يروه مهمشا، في طريق لتحقيق مصالح اقليمية على حساب الدولة التي تعمل من اجل التفرقة بين مكونات شعبها.
اليوم وغدا ستكون بلداننا مستباحة امام كل من يريد ان يطبق ما يرتأيه، لان انظمتنا ذات اللون القومي والطائفي والحزبي الواحد، حاولت الباس هذا اللون على الوطن كله.