يبدو أن مسعود بارزاني ماض بعناده في مسألة الإستفتاء المزمع إجراؤه في أيلول القادم لتقرير المصير دون أن يبالي بالمناشدات المحلية والضغوط الدولية مصرا على مغامرة طائشة تجر على شعبه وبالا، وقد تطيح بالكثير من المكاسب التي حققها الشعب الكردي طوال ثمانين عاما من نضاله القومي التحرري، خصوصا المكاسب التي حققها في الدستور العراقي.

ولقد وصل الأمر بحزبه وإعلامه الى أن يزجا بكل طاقاتهما في معركة الإستفتاء حتى بدا الأمر وكأنه إختيار بين الكفر والإيمان، الكفر بالشعب والإنتماء القومي، أو الإيمان بقدرة بارزاني على تأسيس الكيان القومي المستقل وهو حلم الأكراد الأزلي. فهذا الإعلام الحزبي يوصم كل معارض للإستفتاء بالكفر والخيانة والعمالة والإذلال، ويعتبر الداعمين للبارزاني أناسا وطنيين أقحاح ومخلصين لقضية شعبهم بالإستقلال.

إن دعوة بارزاني للإستفتاء هي"كلمة حق يراد بها باطل"، فهو يستغل النزعة القومية لدى الشعب الكردي فقط للحصول على مجد شخصي له وتحقيق بعض المكاسب الحزبية الضيقة من دون أي حساب لما قد ينجم عن هذا العمل من إستفزاز لدول الإقليم وقد يؤدي الى تغيير الحكومة العراقية لكامل حساباتها تجاه الإقليم وتصفية كل أوجه التعاون والشراكة ووحدة المصير مع الشعب الكردي الذي يعتبر شريكا بالحكم في العراق.

وبحسب المؤشرات المتجسدة في موقف الأطراف الرئيسية الأخرى بإقليم كردستان فيما يتعلق بجدوى تنظيم هذا الإستفتاء، وفي مقدمته موقف الشعب عموما الذي يئن من الجوع والفاقة والحرمان حتى من الكهرباء والماء في مثل هذه الظروف العصيبة، فإن الغالبية من الشعب وقواه السياسية ترفض خوض هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر في هذا الظرف رغم أن الدعوة الى حق تقرير المصير كان من أولويات العديد من هذه القوى الرافضة منها (الإتحاد الوطني وحركة التغيير ) وأن الشعب برمته سبق وأن أدلى برأيه في إستفتاء عام 2005 حين صوت بنسبة 98 بالمائة لصالح الإستقلال.هذا الإصرار العنيد من مسعود بارزاني ومخالفته لرغبة شعبه وقواه السياسية لا ينم عن شيء سوى تحقيق بعض المكاسب الحزبية الضيقة، سنجملها فيما يأتي:
أولا" كما صرح هو والكثير من أعوانه بأن الهدف من الإستفتاء ليس سوى الحصول على ورقة ضغط لإستخدامها في التفاوض مع بغداد.. وهذا يعني بالتأكيد أن الإستفتاء هو لمجرد كسب حزبي وليس تحقيق أماني الشعب بالإستقلال.فهو يريد بذلك أن يعيد وزرائه المطرودين من بغداد بسبب الفساد، وأن يحصل على مناصب وإمتيازات أخرى.

ثانيا: تعزيز وتثبيت سلطته الدكتاتورية في إقليم كردستان من خلال إظهار نفسه كبطل للإستقلال وضرورة أن يمشي الكل في كردستان ورائه ويمتثل لأوامره وسياساته الداخلية والخارجية.

ثالثا: إستغفال الشعب من خلال الإستفتاء للتغطية على إنقضاء مدة ولاياته القانونية وغير القانونية وإسكات الدعوات التي تطلقها الأطراف السياسية بضرورة تغيير نظام الحكم الإستبدادي الرئاسي الحالي الى النظام البرلماني، وإظهار مسعود بارزاني كبطل للإستقلال وعلى الشعب أن لايفكروا بتغييره حتى يتمكن من إنشاء دولته المزعومة.

رابعا: التغطية على فشل حكومة حزبه في تأمين أبسط مستلزمات الحياة الإنسانية للشعب الكردي الذي قطعت رواتب موظفيه وإنعدمت أمامه الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والمشاريع الخدمية الإنمائية.

خامسا: التغطية على فشل سياساته النفطية التي أفقرت الشعب وأدت بالإقليم الى أن يرزح تحت وطأة ديون تفوق 30 مليار دولار بسبب الإستحواذ على الثروة النفطية وسرقة إيراداتها.

سادسا: الإستفراد بالملف العراقي من خلال تنصيب نفسه زعيما أوحدا للشعب الكردي وأن كل ما يتعلق بالعلاقة بين بغداد وأربيل وحل مشاكلهما يجب أن يكون مرجعه شخص مسعود بارزاني، وهذا يعني تهميش وإقصاء جميع القوى السياسسية الكردستانية من مرجعية القرار السياسي.

سابعا:الإستعلاء على البرلمان وإنتهاك القوانين التي تحدد المراجع الأساسية للقرارات المصيرية والترخيص لنفسه بإصدار القرارات حتى لو كانت قرارات حزبية لها قوة قانونية مزيفة، منها قراره الحزبي بتنظيم الإستفتاء من دون صدور قانون برلماني ينظم ذلك.

ويبدو أن مسعود بارزاني قد قدم ضمانات مكتوبة لدول الإقليم بأن هذا الإستفتاء ليس هدفه الإنفصال عن العراق أو إعلان الإستقلال، بدليل أن الرئيس التركي أردوغان قال بصراحة ووضوح" أنه تلقى ضمانات من مسعود بارزاني بأن الاستفتاء لايهدف الى الإستقلال". وقد تكون إيران قد تلقت ضمانة مكتوبة أيضا، وكذلك الدول الكبرى التي تعارض تنظيم الإستفتاء، وهذا يعني بالتأكيد إفراغ الإستفتاء من مضمونه الأساسي وهو تحقيق الإستقلال، وبذلك تكون الخطوة مجرد محاولة للكسب الحزبي ليس إلا.

يريد مسعود بارزاني أن يستغل هذا الموضوع لإطالة أمد حكمه بكردستان، فهو يسعى بالعزف على الوتر القومي أن يحصل من شعبه على تفويض حتى لوكان بالتزوير وتزييف نتائج الإستفتاء وهذا أمر محتم لأن المفوضية التي تقوم بتنظيم الإستفتاء هي من أعوانه ولا نستبعد أن تعلن نتيجة غير التي صوت بها الشعب، وسيستخدم بارزاني هذا التفويض المزور لكي يقول لشعبه بأنه يسعى الى تحقيق الإستقلال وعليهم أن يعطوه فرصة للبقاء في منصبه لكي يتفاوض مع الحكومة العراقية والدول الإقليمية الكبرى لتحقيق هذا الحلم، وبالطبع ستطول المفاوضات لعشرات السنين يأتي بعده أبنائه ليستكملوا مسيرته، فنحن نعلم بأن المفاوضات بين أربيل وبغداد حول المادة 140 إستمرت منذ 12 عاما دون أن تحقق ولو خطوة واحدة الى الأمام، فكيف الحال حين يتفاوض الطرفان حول الإستقلال والإنفصال؟

هذه اللعبة باتت معالمها تتكشف يوما بعد يوم، فلا هي من أجل مصلحة الشعب، ولا هي لتأسيس دولة محترمة التي ناضل من أجلها الشعب الكردي جيلا بعد جيل، ومن هنا نكتشف الموقف المخزي لإعلام حزب بارزاني وقادته حين يوصمون كل معارض للإستفتاء بالكفر بالقومية، ويظهرون أنفسهم المؤمنين الوحيدون بحق الشعب في الإستقلال.وهم لا يعلمون بأن الإستفتاء يعني التعبير الحر عن الرأي وخاصة في مسألة كبيرة بهذا الحجم، وإلا فما الداعي الى الإستئناس برأي الشعب ماداموا قد قرروا الإنفصال؟