حسب ما تطرح من تصريحات ومفاهيم واراء و وجهات نظر بخصوص استفتاء اقليم كردستان المقرر اجرائه بعد شهرين ونصف، فان محتوى بعض المفاهيم المطروحة تحمل اخطاءا وتشوها كبيرا في المعاني والمقاصد، ورغم ان الاستفتاء مثل رئاسة الاقليم بعيدان كل البعد عن الشرعية والقانون، وهما قد قفزا بشرع الغاب على البرلمان وعلى مشروعية قرار مرجعية الشعب، الا ان الجدل حول هذا الموضوع بات يفتح ابوابا كثيرة للنقاش والخلاف الواسع، واستنادا الى ما تبثه وكالات انباء وفضائيات كردية حزبية من حقائق مشوهة واخبار مفبركة بخصوص هذا الأمر، فان الضرورة المهنية والموضوغية توجبان تصحيح بعض المفاهيم الموسومة بالخطأ والتشوه والتي تورد بتعمد وتطرح بتقصد بشأن الاستفتاء والاستقلال، وهي كالآتي:

(1) (الاستفتاء) المعلن بقرار من قبل مسعود البرزاني من خلال اجتماع حزبي، هو بالحقيقة استبيان وهو كاي استبيان يجري حول اي موضوع عام غير مصيري يهم جميع او بعض المجموعات الشعبية اوالسكانية للمجتمع، وحاصة في مجال معرفة رأي الشارع العام في شأن من الشؤون العامة، مثلما هو حاصل في الانتخابات لمعرقة نسبة تقدم وتراجع شعبية الشخصيات والاحزاب السياسية، وفي اختيار الشخصيات المؤثرة والمتمتعة بالشعبية على المستوى العام، وقرار الاستفتاء الصادر غير شرعي تماما لان البت في القضايا المصيرية فقط من اختصاصات برلمان كردستان وهو مثبت بقانون.

(2) البرزاني الذي يتصرف وكأنه رئيس شرعي للاقليم ليس برئيس قانوني وولايته منتهية منذ سنتين، وبقائه على كرسي الرئاسة اغتصاب للبرلمان وللقانون وللشرعية ولمباديء الدستور الدائم وللقيم الديمقراطية، وتواصله خرق فاضح لحقوق الانسان ولوائح الجمعية العامة للامم المتحدة، وترؤسه للجنة العليا للاستفتاء بالاقليم غير قانوني.

(3) الاستفتاء المؤمل اجرائه لا يملك اي شرعية أو مرجعية قانونية وممكن تشبيهه بالاستبيانات العادية، ولهذا وصف من قبل القيادي هوشيار زيباري من حزب البرزاني بأنه مجرد ورقة ضغط تستعمل على مائدة المفاوضات للضغط على الحكومة الاتحادية في بغداد، والغريب في الامر ان استفتاء الاقليم من السهولة الطعن فيه من قبل المحكمة الاتحادية ومن قبل اي طرف سياسي او نيابي او اي نائب في البرلمان العراقي، لانه يجري بعيدا عن المرجعية والموافقة القانونية العراقية.

(4) الحكومة الاتحادية والكثير من الاحزاب السياسية العراقية لا تنظر للاستتفتاء بأهمية وتحسبها مجرد لعبة تكتيكية داخلية الهدف منها اعاددة ترتيب اوراق رئاسة الاقليم لصالح البرزاني، ولصالح موقع حزبه في الانتخابات البرلمانية وذلك للاحتفاظ بالصدارة كحزب حاكم.

(5) لجوء اعلام حزب البرزاني الى بث اخبار كاذبة واخراج سيناريوهات اعلامية مفبركة ملفقة تماما عن الاستفتاء، يدل ان النوايا غير صادقة وان أهدافا مخفية تتحكم بالدعوة المطروحة، والدليل على ذلك هو التشويه المتعمد لكلام ممثل الرئيس الامريكي في زيارته الاخيرة للاقليم حيث فبرك على لسانه ان واشنطن بالرغم من اختلافها بشان الاستفتاء لكنها تحترم رأي شعب اقليم كردستاان، وبعد نشر الخبر بساعات تبين ان الخبر مفبرك وتم رفعه من المواقع التابعة للبرزاني وحكومته الفاسدة وحزبه وذلك بناءا على طلب من مسؤول امريكي.

(6) الماكنة الاعلامية للبرزاني تسوق له على اساس ان علاقاته على خير ما يرام مع واشنطن، ولكن الحقيقة ان الادارة الامريكية الجديدة بينت انها لا تتعامل بصورة مباشرة مع البرزاني وانه لم يبقى بتلك المعاملة الخاصة التي كان يتمتع بها في ولاية الرئيس السابق باراك اوباما، ورد واشنطن بضرورة مراجعة بغداد واخذ موافقتها بخصوص زياراته الى الولابات المتحدة كان ضريا قاسيا.

(7) التعامل المتردد والمتذبذب والمتميع والمبني على اساس المصالح لقيادات من حزب الرئيس السابق جلال الطالباني مع البرزاني جعل من الاخير وحزبه ان يستغلا بعض قيادات الاتحاد بامتياز وكأن الحزب تحول الى بورصة وأن يتلاعبا باسعارها لتحقيق المآرب السياسية والشخصية والحزبية والعائلية.

(8) طريقة واجراء اجتماعات البرزاني تعامل كأنها رسمية واصولية، ولكن الحقيقة هي بعيدة كل البعد عن القواعد الأساسية المتبعة والاصول القانونية لاي اجتماع حزبي او رسمي او بروتوكولي، وما يحدث من حضور شخصيات مختلفة ومتفرقة ممثلا عن الحزب الواحد بين اجتماع واخر خرق تام لشرعية قواعد اصول الاجتماعات، ولايمكن اعتبار اجتماعات البرزاني إصولية وقانونية بأي حال من الأحوال.

(9) تكلم الاعلام الكردي الحزبي عن حق تقرير المصير بسذاجة سياسية، وهذا ينم ان هذه الوسائل الاعلامية غير ملمة تماما بخلفية اصولية ومرجعية وقانونية ودستورية لماهية هذا الشأن الهام، والبرزاني ايضا وحاشيته وديوانه غير ملمين كليا بالخلفيات القانونية للاستفتاء والاستقلال على الصعيدين الاقليمي والدولي، وما يصدر منه مجرد انشاء غير مبني تماما على اية استشارة قاونية.

(10) يشاع ان البرزاني يستخدم ورقة النفط للحصول على مكاسب من وراء الاستفتاء، وكأن الاخير ممكن عرضه كسلعة في البورصة يمكن شرائها بالمال او بالنفط الكردي المنهوب لنصف قرن من الزمن الاسود من قبل اردوغان والبرزاني، ولعشرين سنة من قبل شركة روسية ابرمت صفقتها بناءا على توجيه من انقرة وبناءا على رعاية تامة للمصالح التركية، والمؤلم ان هذه التجارة المارقة للنفط والغاز تؤكد حقيقة مرة طالما قلناها مرارا وتكرارا ان الاقليم محتل بالكامل ومنهوب بالتمام من قبل قوى محلية واقليمية.

(11) البرزاني شكل جوقة من الاعلام الموجه والابواق تتحدث عن الاستفتاء وكأنه اعلان للاستقلال وبيان ابدي للعيد الوطني لدولة كردستان، وخيار محلص للوطنية، ومعيار وطتي للـ"كوراديتي"، كل ذلك من خلال تشويه كامل وبعيد كل البعد عن الحقائق، وبهالة من الانجاز العالي المفبرك على اساس لامنطقي ولاعقلاني، حاسبين وكأن المجتمع الكردي غير واع ولا يعرف حرف من حروف ابجدية السياسة والحياة العامة.

(12) اشاعة القول القائل للبرزاني ان رأي الشعب هو الاساس في الاستفتاء، وكثيرا ما تردد هذه العبارة على لسانه ضاربا البرلمان المنتخب بشرعية من الشعب عرض الحائط، ويتحجج بان الاستفتاء اكبر شرعية من البرلمان وان الاخير بتفعليه او اسنمرار تعطيله ليس له أي تأثير، وهذا خلط منمق للمفاهيم والاصول والقواعد القانونية في السياسة لان القصد هو ابعاد البرلمان تماما من دوره الشرعي لتشريع قانون للاستفتاء على اساس المرجعية مستندا الى قواعد القانون الدولي، والمؤلم ان كل هذا الحجب والمنع المتعمد للقانون والبرلمان هو من أجل فرض ارادة الانفراد بالحكم بطريقة دكتاتورية مقيتة وذلك للابقاء على السطوة والسلطنة الشخصية والحزبية والعائلية.

(13) يساق ان خطوة البرزاني مضمونة النتائج من قبل انقرة ولا علاقة لها بتركيا، بينما الحقيقة تؤكد ان بعض المعطيات تشير في حال تعرضه الى مخاطر في مرحلة ما بعد الموصل فانه قد يلجأ الى استخدام ورقة الاستفتاء مع تركيا لتسليم ادارة نفوذه في المنطقة الصفراء مع ولاية الموصل الى سلطة أنقرة بتدخل وغزو مباشر من الجيش التركي مثلما حصل من احتلال لقبرص في السبعينيات، والتعامل الناعم للحكومة التركية واردوغان مع البرزاني حول الاستفتاء قد يكون مؤشرا على قرب تحقيق هذا الاحتمال.

(14) تصرف الاقليم بشأن الاستفتاء وكانه صاحب الامر الناهي على كركوك والمناطق المتنازعة عليها، وكأن الاحراءات جارية وكاملة، بينما الحقيقة على ارض الواقع لم يجري اي استعداد بشأن اعمال التهيئة والاعداد للعملية مع العلم لم تبقى الا فترة قليلة.

هذا باختصار غيض من فيض من ما يجري على ارض الواقع بخصوص الاستفتاء الكردي الذي بدت دوافعه غائبة وغامضة، ويبدو للعيان وكأنها لعبة سياسية محلية واقليمية لها نوايا غير طيبة وبسببها قد بدت تزكم انف صاحب الدعوة بالمخاطر والعواقب التي لا تحمد عقباها، ولكن مع هذا نقول ان كانت عملية الاستفتاء سائرة بطريقة شرعية وقانونية وبنوايا صادقة وخيرة لصالح الكرد والعراقيين، فاننا نأمل كل الخير والنجاح للشعبين في هذا الوقت الممزوج بتفاؤول اعلان تحرير مدينة الموصل من تنظيم داعش الارهابي، وبهذه المناسبة نبارك كل العراقيين عربا وكردا وسنة وشيعة هذا النصر العظيم لقوات الجيش والبشمركة والحشد الشعبي على الارهابيين والتكفيريين والظلاميين، والله من وراء القصد.

(*) كاتب صحفي