في اعتقادنا نحن المسلمون ان الزلازل والاعاصير والرياح العاتية والأمطار الغزيرة آيات من آيات الله (جلت قدرته)، ومن سنن الكون التي سنها، وقد قدرت بإرادته على الخلق اجمعين، مسلمين وغير مسلمين. كما انه في اعتقادنا ان الانسان هو أكرم المخلوقات وأفضلها عند الله، وان هذا الكون العظيم بثرواته الهائلة خُلق من اجل الانسان وسعادته بغض النظر عن معتقده، يقول تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم".
على الرغم من وضوح الأدلة حول مركزية الانسان في هذا الكون، ما زالت الثقافة الشعبية في المجتمعات العربية تعاني من تدني موقع الانسان وانخفاض مستوى الاهتمام بقيمته وحقوقه وكرامته، وقد ظهر هذا بوضوح الأسبوع الماضي، حين تعرضت بعض الولايات في أمريكا لإعصار "إيرما" الهائل الذي أدت رياحه العاتية وأمطاره الفيضانية إلى بعض القتلى وإسقاط رافعات البناء وتصدع الكثير من المنازل وتحويل شوارع إلى أنهار وحرمان ملايين السكان من الكهرباء. 
مع كل إعصار يضرب بقعة من العالم وخصوصا الدول الغربية، تظهر الشماتة، ويدعي الكثير من المتحذلقين واصحاب الأنفس المريضة أن الله ينتقم للمضطهدين في كل مكان. اليكم بعض العينات من التعليقات (الشماتة) التي تم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي خلال الاسبوع المنصرم:
"أمريكا بكل خيلها ورجالها وحديدها وكل مؤسساتها وإمكانياتها تقف عاجزة أمام عاصفة، وكأن الله ينتقم للثكالى". 
"اللهم اجعل إعصار "إيرما" عذابا وهلاكا لمن قتل وشرد ودمر بلدان المسلمين، أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن، أنت القادر على كل شيء".
"إننا والله نفرح ونسر بما أصاب هؤلاء الظلمة المتجبرين المتكبرين. إن أمريكا هي قائدة الظلم والطغيان والجبروت في هذا العصر، استخدمت أموالها التي مكنها الله جلّ وعلا منها في ظلم البشرية في مشارق الأرض ومغاربها، وتاريخ أمريكا تاريخ أسود على كل المستويات".
"جاء الرد الإلهي بعد حين على هيئة (طوفان نوح)، بأعاصير متكررة ومدمرة، شردت ما يزيد على عشرة ملايين شخص من سكان خمس ولايات جنوبية، وخسائر اقتصادية تجاوزت الـ 500 مليار دولار. لا قنابل نووية تنفع، ولا طائرات تصلح، ولا صواريخ الكروز والتوماهوك تنقذ امريكا من دمار محقق. (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)". 
"يرجع سبب الزلازل، وما تعيش فيه البشرية من آلام إلى الذنوب. الذنوب شؤم على الشعوب في الدنيا والآخرة، وشؤم على الأمم في الدنيا والآخرة. أقسم لكم بالله لا تقع مصيبة في الأرض مهما كان حجمها على المستوى الفردي أو الجماعي أو الأممي إلا بسبب الذنوب والمعاصي".
تذكرني هذه المواقف غير الانسانية بالزلزال الذي ضرب جنوب شرق آسيا في 26 ديسمبر 2004م، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 146 ألف شخص، وتشريد اكثر من خمسة ملايين انسان في 13 من الدول التي طالها، بالإضافة الى الخسائر الاقتصادية التي تقدر بمليارات الدولارات. هذا الزلزال كما وصفه "كوفي عنان" الأمين العام للأمم المتحدة وقتها، كان كارثة عالمية غير مسبوقة لم تواجه الأمم المتحدة مثلها من قبل، وان الدول المنكوبة قد تحتاج الى عشر سنوات على الأقل لإعمار المناطق التي دمرها الزلزال.
كنت وقتها جالس امام التلفاز اتابع تلك الكارثة الانسانية، حيث شدتني صور الدعم والمساندة المالية والمعنوية التي قدمتها شعوب الدول الغربية عبر مؤسساتها الدينية والمدنية الى شعوب الدول المتضررة، ابتداء من دعوة قداسة البابا "يوحنا بولس الثاني" اتباعه من المؤمنين المسيحيين في كل انحاء العالم بالصلاة من اجل المنكوبين. اما مؤسسات المجتمع المدني الدينية والمدنية في تلك الدول فقد اعلنت عبر وسائل الاعلام عن فتح مراكز التبرع المالي والعيني، والعمل على تنظيم إرسال فرق الانقاذ من المتطوعين من الأطباء والممرضين وعمال الانقاذ والمختصين في العمل الاجتماعي. كما شدني مظهر وقوف الشعوب الغربية 3 دقائق حدادا على الضحايا، حيث شلت الحركة تماما في كل القطاعات بما فيها الطرقات العامة عندما توقف الناس عن المشي والحركة، وهذا لعمري موقف انساني نبيل.
بعد متابعتي لتلك المواقف الانسانية التي حثت عليها جميع الأديان السماوية، والشرائع الانسانية الخيرة على مدى التاريخ، حاولت مقارنتها بالمواقف التي اتخذتها الشعوب العربية في ذلك الشأن، فلم أجد أي وجه للمقارنة لأننا ببساطة لم نقم بأي عمل يستحق الذكر. وإذا حاول أحد طرح مثل هذا الموقف السلبي للنقاش، فالجواب جاهز: "لا توجد فتوى شرعية، الصلاة والرحمة لا تجوزان إلا على المسلمين وبعضهم سيقصرها على فئة المؤمنين فقط، والوقوف دقيقة حداد من البدع، وان ما حدث غضب من الله على هذه المجتمعات". 
السؤال: لماذا لا نعزز "الحس الانساني بمعاناة الآخرين في ثقافتنا الشعبية والوطنية"، فالقيم الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية عابرة للأديان والحدود الجغرافية، والمحافظة على قيمة الإنسان داخل عقولنا وضمائرنا بإمكانها أن تخلق اجواء من التآلف والاحترام والتقدير بيننا وبين شعوب العالم الاخرى.