شهدت تجارة الأعلام في إقليم كُردستان رواجاً كبيراً منذ انطلاق شرارة ( الإستفاء الكُردستاني المزمع اجراؤه في 25 ايلول ) وتحديدا في ظل تصاعد الفعاليات السياسية والمدنية في الشارع الكُردستاني فيوم امس كنت جالساً في احد المقاهي مدينتي ( هه ولير ) جاءني شاب عشريني ضخم البنية يعمل بائعا متجولا في مجال ( الخردوات ) ،وقف امامي وبيدة أعلام كردستان و مزامير وشارات وملصقات وقبعات وغطاء رأس وكلها بألوان علم كُردستان ، اضافة الى( تيشرتات ) مرسوم عليها صور البارزاني وشعارت تمجد البيشمركة , وقف بائع الأعلام امامي وقال بصوت جهيّر : ان إستقلال كُردستان إرادة شعبية كُردستانية لا يستطيع (العرب)الوقوف أمامها , نظرت اليه بتعجب وقلت : ولماذا يقف العرب امام إرادة شعب كُردستان ؟ ضحك باستهزاء وقال : الا تعرف بان العرب هم اعداء الكُرد , وهم سبب مشاكلنا ومصائبنا , ولولا هم لكنا الان ننعم بدولتنا وكياننا المستقل , الا تسمع انهم يهددوننا بـ(ابو عزرائيل و بالحرب والابادة ) ؟ 
لا اخفي عليكم , احسست بحالة عجيبة وغريبة بسماعي لتلك الكلمات المؤلمة والموجعة حقا , وبعد صمت لاشعوري دَعَوْته على استكان شاي ابو الهيل, ثم دخلت معه في معمعة النقاش حول ما تفضل به , بان (العرب) هم سبب مصائبنا ومشاكلنا , فقلت له :كل تعميم هو خطأ بما فيه هذا التعميم , ففي كل مجتمع وفي كل فترة زمنية هناك حمقى وجهلة ينفخون في نار الفتنة والكراهية والعنصرية والشوفينية والتعصب , في رأيى أن كلا الجانبين ( العراقي والكردستاني )أخطأ و يجب أن يتحملان المسؤولية بالاعتراف بالخطإ ثم الاعتذاروالعمل من من اجل نزع فتيل الأزمة المفتعلة .
يا صاحبي ان الحكومات العربية والانظمة الدكتاتورية العراقية المتمثلة باشخاص استبداديين شوفينيين مرضى وساديين هم سبب مشاكلنا ومصائبنا وهم الذين سببوا لنا المآسي والالام والجروح وليس الشعب العربي المغلوب على امره والذي ابتلى مثلي ومثلك بالانظمة الدكتاتورية والمستبدة وبـ(ابو عزرائيل وامثاله الذي يهدد باجتياح السعودية وتركيا ايضا ).

وتابعت الحديث وأنا لا أدري ماذا سأقول ولا الأسباب التي كانت تدفعني إلى أن أذكر له تلك الأشياء, قلت له : لا يا صاحبي فالعرب مثلي ومثلك هم ضحايا الانظمة الأستبدادية و الشمولية المتعاقبة , وان فكر البعث الفاشي هو من انتج الشوفينية والعنصرية والكراهية وهي التي زعزعة المحبة والالفة بين أبناء الشعوب العراقية , هل تعرف من شارك مع الكرد جنبا الى جنب في ثوراته ضد الظلم والجور والاستبداد والدكتاتورية ؟ هل تعرف من خضّب ارض كُردستان المقدسه بدمائه الطاهرة بجانب البيشمركة الكُرد ؟ هل تعرف من طالب بحقوق الكرد وكردستان في الثلاثينات من القرن الماضي ؟ هل تعرف من عاضد وشارك في الثورات والانتفاضات الشعبية الكردية ؟ اكيد لا تعرف , لوكنت تعرف لما قلت ما قلته يا صاحبي , لقد شاركت جميع الوان الطيف العراقي الجميل في ثورة ايلول الكُردستانية ,اقول كُردستانية لانها لم تكن كردية فقط , شارك فيها (التركمان والآشوريين والسريان والكلدان والأرمن و والايزيديين والشبك والصابئة المندائية بجانب الكُرد كما شارك فيها العرب باختلاف مذاهبهم وطوائفهم وطبقاتهم الاجتماعية , وكان شعار الثورة انذاك (الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكُردستان ) ولتحقيق هذا الشعار قدم البيشمركة الابطال ارواحهم فداءأ في سبيل الوطن والشعب ومنهم نخبة من البيشمركة العرب الابطال. 
هل سمعت بمعارك (هندرين وسه ري حسن بيك و سه رى به ردي)(1) ؟ انها كانت معارك بطولية وانتصارات لقوات البيشمركة وكان للبيشمركة العرب دور بارز فيها, وللعلم ان تلك المعارك كانت ضد سياسة القمع والاستبداد وكان للجحوش المرتزقة( الكُرد ) الذين باعوا ضمائرهم للانظمة العراقية ايضا دور كبير ومخزي في مقاتلة البيشمركة ولو لاهم لما كان الجيش باستطاعته ان يتقدم شبرا الى تلك المناطق العاصية والجبلية الوعرة , هل سمعت بالجحوش ؟ 
ضحك وقال :ـ طبعا سمعت بهم واعرف قسما منهم , قلت : عظيم واستمريت في كلامي، قائلاً له :
مع اندلاع الشرارة الاولى للثورة وفي اواخر السبعينات تحولت كردستان الى ميدانا حقيقيا لنضال الكرد والعرب والتركمان والكلدان والاشوريين والأيزيديين والفيليين والصابئة المندائيين وسائر المكونات الاخرى من اجل انقاذ العراق من الدكتاتورية الصدامية البغيضة ووضع حد للانتهاكات والمظالم التي كان يعاني منها الشعوب العراقية , وان للكرد اصدقاء من جميع الشرائح والطوائف والمذاهب والطبقات الاجتماعية العراقية والامثلة كثيرة جدا لا حصر لها وان اسمائهم تتلألأ كالنجوم وتشع سماء الوطن ضياءً , لقد قال لي شخصيا الاستاذ البروفيسور عبد الاله الصائغ(2 ) في احدى رسائله القصيرة كتب وقال :-( لو كان الله سبحانه قد خيرني مكانا اولد فيه لاخترت كُردستان, الكورد شعب رومانسي في اللعب واقعي في الجد، وفي حين تستدعي الحاجة للوفاء) 

هل تعرف ان ( الصائغ )كتب قصائده لكُردستان وحلبجة رغم انه لم يرى كُردستان ولم يزرها ابدا , وهل تعرف ياصاحبي لماذا أقيم (للجواهري )الكبير الذي قال يومأ (قلبي لكُردستان يُهدى والفم ُ ) تمثالان برونزيان, احدهما في اربيل والثاني في سرجنار بالسليمانية ؟!
قبل ان يجاوبني بـ(لا )...قلت له : 
ـ لانه كتب لكُردستان واعطى لها كلاما و معاني خضراء نابعة من قلبه الكبير المفعم بالحياة ,انه كان صديقا وفيا لشعبنا انه كان بيشمركة يقاتل بكلماته وقلمه وفكره وقلبه , اما المفكر (هادي العلوي) فكتب براءته من هويته العربية لاطفال كُردستان بعد جريمة قصف (حلبجة ) بالاسلحة الكيمياوية ولعن الصداميين وحطم جدار الصمت المقرف بكلماته النارية التي كانت كالبلسم لجروح واجساد الاطفال الذين حرقوا بالسيانيد والخردل الصدامي ........ !! 
بعد هذه الكلمات سكتُ , لان كلام هذا الشاب المندفع اعاد الى ذهني مجددا تضحيات البيشمركة العرب والتركمان والمسيحيين والارمن ممن خضبوا بدمائهم الزكية ارض كُردستان وقاوموا مقاومة الابطال جنبا الى جنب مع اخوانهم الاكراد في سبيل الحرية والعدالة الاجتماعية وتذكرت بخشوع كل الوجوه الجميلة التي تعرفت عليهم في ساحات النضال في جبال كُردستان الشمّاء منهم ( أم لينا , أم ذكرى , فاتن ,وصال , ابو ليلى , ابو ظافر , دكتور عادل , ازاد , سعدون , سعيد ره ش , ابو ايار , احلام , انسام ( موناليزا ) , ابو سحر , ابو رشا, مهدي , ابو شهدي , ملازم كارزان , شاخه وان , ملا عثمان , القائد البارتيزاني توما توماس ,ابو نصير, ابو فيروز)(3 ) واخرين من الجنود المجهولين الذين قدموا حياتهم ثمن اخلاصهم لقضية الشعوب العراقية ووقفوا باباء وشموخ ضد اعتى دكتاتور عرفته المنطقة برمتها . 
كما اعادت الى ذهني وبالحاح قصيدة الشاعر الكبير (فائق بيكه س)(4 )التي يقول في مطلعها ( الصداقة الكردية العربية قديمة والتاريخ شاهد على ذالك ,فليمت الاعداء الحاقدون كمدا وغيظا ) , نعم , تلك الكلمات التي علمني ايّاها والدي في صغري , تلك الكلمات النابعة من قلبه الكبير ليزرع الورد والمحبة والالفة في قلوبنا جميعا ,كبارا وصغارا ومن مختلف القوميات والاديان والمذاهب والطبقات الاجتماعية . وقبل ان اودعه قلت له هل تريد ان تتاكد من كلامي ؟ اجاب نعم , قلت اذن لنذهب الى مقبرة شهداء الحزب الشيوعي العراقي الواقعة في ضواحي مدينة ( هه ولير ) حتى ترى بام عينكقبور عشرات الشهداء البيشمركة من ( العرب وسائر المكونات الاخرى) الذين جسدوا بتضحياتهم , بدمائهم الزكية الاخوة الحقيقية بين العرب والكُرد والشعوب والاديان والطوائف الاخرى ودافعوا مثلي ومثل غيري عنك وعن جيل باكمله لينعموا بالامن والسلام , وان الحرية التي تنعم بها اليوم يا صاحبي هي ثمرة دمائهم الزكية . 
ختاما اقول اتمنى ان يحظى تاريخ حركتنا التحررية من اجل انقاذ العراق ارضا وشعوبا وحضارة بكل سلبياته وايجابياته بمزيد من العناية والانصاف والدراسة من قبل الجهات المعنية العراقية والكردية وتسليط الضوء عليه لكشف الكثير من جوانبه المخفية لاجيالنا الجديدة التي لا تعرف للاسف الكثير عن كفاح ونضال وماساة والام شعبنا الكردي , ذلك التاريخ الذي كتبت فصوله ببحور من دماء الابطال من ابناء الشعوب العراقية بمختلف طوائفها ومذاهبها وطبقاتها الاجتماعية . 

صحيح أن النداء الذي وجهه الناشط المدني السيد (هيوا عثمان)(5 ) في أواخر الاسبوع الماضي( للحفاظ على أواصر الاخوة والتعايش المشترك بين الشعبين العربي والكُردي ) أثبت أن قاعدة عريضة من الطرفين ( الكُرد والعرب) مازالت محصنة ضد الكراهية والعنصرية والشوفينية والتعصب وضيق الافق القومي المتصاعد ، ومن ثم مازالت محتفظة بوعيها المعرفي ونقاوة وصلابة فكرها ، إلا أن هناك اختراقات كبيرة ايضا ظهرت بوادرها مع اعلان موعد الإستفتاء من كلا الجانبينوللاسف , بعد ان استطاعت الاحزاب العراقية والكُردستانية المتنفذة ان تلهى الناس بعيدا عن المشاكل الاساسية (المعيشية والحياتية والاقتصادية للمواطنين) ، بتصاعد وتيرة الحرب الكلامية والتهديدات واشعال نيران الفتن الطائفية والصراع القومي العنصري والكراهية وبث الإشاعات السامة والانفعالات القومية ( التعصب القومي الاعمى تقابله الشوفينية البغيضة والتي أظهرتها الأزمة الحالية ) والتى لن تحرق احدا اخر غيرابناء الشعبين ( الكُردي والعربي ) . وعليه لا يمكن اعفاء الاحزاب العراقية والكُردستانية و زعمائهم من مسؤولية ما وصلت اليه اوضاع البلد الماساوية بما فيها وضع إقليم كُردستان 

اختتم مقالتي بمقولة الفيلسوف والأديب المصري الكبير (انيس محمد منصور) في هذا الجانب قد تختصر كل المعاني وهي : ( الكراهية هي أن تبتلع السموم أملاً في أن يموت شخص اخر. 

——

1ـ معركة (هندرين وسه ري به ردي و سه ري حسن بيك ) , معارك ضاربة جرت بين قوات البيشمركة والقوات العراقية بالقرب من بلدةراواندوز في الـثاني عشر من أيار 1966،و إستمرت عشرة أيام على جبال (هندرين وزوزك وكورك ومضيق عمر آغا )، سجلت قوات بيشمركة كُردستان وبمشاركة فاعلة وكبيرة من قوات البيشمركة التابعة للحزب الشيوعي العراقي ، بطولة وملحمة شتت شمل قوات العدو ( من الجيش والجحوش ) حيث تم تدمير اللواء الرابع الجبلي واللواء الأول واللواء الثالث للعدو بالكامل , وجاءت اتفاقية 29 حزيران سنة 1966 كنتيجة لهذه المعارك القاصمة لظهر المعتدين . 

2 ـ شاعر وناقد أدبي وباحث أكاديمي. من مواليد 11 آذار 1941 النجف ، يقيم حالياً في مشيغن - الولايات المتحدة الأمريكية.دكتوراهPH.D يحمل شهادتي دكتوراه في علم تحليل النص الدرجة العلمية : استاذ كرسي العمل الحالي رئيس قسم اللغة العربية وآدابها في الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك كلية الآداب والتربية عمل استاذا في جامعة الفاتح بليبيا 6 سنوات وعمل استاذا زائرا بين جامعات تونس والمغرب2 عمل استاذا لمدة سنتين في جامعة صنعاء ، اقام جسرا اكاديميا بين جامعتي الكوفة في العراق وجامعة اليرموك في الاردن واسهم في عدد من مؤتمرات النقد الأدبي التي تقيمها جامعة اليرموك سنويا. 

3 ـ اسماء حركية لبعض من البيشمركة العرب و المسيحيين والصابئة المندائيين ( من كلا الجنسين ) الذين خضبوا بدمائهم الزكية ارض كُردستان وقاوموا مقاومة الابطال جنب الى جنب رفاقهم في ساحات النضال في الثمانينات من القرن الماضي . 

 4 ـ ولد (فائق بن عبد الله بن كاكه حمه بن الياس) المعروف (بفائق بيكه س, اي فائق الوحيد او بلا احد او غريب )عام 1905 في قرية (سيتك)احدى قرى محافظة السليمانية , وكان والده ضابطاً في الجيش العثماني، اصيب( بيكه س )وهو في سن الثالثة من عمره بالجدري سبب له ضعفاً في البصر دخل الكتاتيب عام 1911 وقرأ القرآن الكريم ومبادىء علوم الدين ومنها انتقل الى المدرسة الرسمية فكان حاد الذكاء في دراسته الى ان اكملها سنة 1923 فذهب الى بغداد عام 1924 ليدخل مدرسة دار العلوم ويتخرج منها ويعود الى مدينة السليمانية سنة 1926 ليعين بعد سنتين موظفاً في مديرية اشغال السليمانية بعدها عين معلماً في مدرسة زانتي بالسليمانية فبدأ نشاطه القومي فاشترك في انتفاضة جماهير السليمانية في السادس من ايلول عام 1930 ضد المعاهدة العراقية البريطانية فكان هو احد قادة الانتفاضة فاصيب برصاص البريطانيين والجنود العراقيين فالقي القبض عليه وحبس بعض الوقت وافرج عنه ليعود يمارس عمله كمعلم الى ان ابعد الى مدينة الحلة عام 1937 لنشاطه السياسي في مدينته وبعد اكمال مدة الاقامة الجبرية عاد الى مدينته ليمارس عمله كمعلم في مدن قرداغ وسورداش وحلبجة. توقف قلبه الكبير عن الخفقان في 18 كانون الأول 1948 بمدينة حلبجة،وهو في عز الشباب والحيوية عن عمر ناهز الثالثة والاربعين , و رثاه الشاعر الكبير( محمد مهدي الجواهري) بقصيدة طويلة مطلعها : (

اخي بيكس يا سراجاً خبا 
ويا كوكباً في دجى يُفتقدُ 
بلا أحد ٍ ، يا سنا أمة ٍ 
تنادت الى جمع شمل ٍ بددُ ) . 

5 ـ (كُرد وعرب) , هي الحملة التي عول عليها الناشط المدني الكُردي الشاب ( هيوا عثمان ) للحفاظ على أواصر الاخوة والتعايش المشترك بين الشعبين العربي والكُردي،, وان فكرة الحملة كانت على اساس مشاركة مستخدمي صفحات التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا صورهم التي تجمعهم مع اصدقائهم من الكُرد وبالعكس مرفقة مع هاشتاك( # كُرد وعرب ) ., من الجدير بالذكر ان الحملة منذ انطلاقها لاقت مشاركة واسعة وردود افعال ايجابية وان أن أكثر من 25 الف مشترك على مواقع التواصل الاجتماعي انظموا للحملة منذ لحظات انطلاقها الاولى. وان الهدف منها كما يقول الناشط المدني( هيوا عثمان ) هو رد الاصوات الشاذة التي تحاول زعزعة المحبة والالفة بين أبناء الشعوب و القوميات المختلفة) .