الأمل فى استفتاء كبيرعلى كل ظهر الكوكب،استفتاء يقرر فيه كل سكانه إن كانوا يرغبون فى العيش معا بسلام شركاء متساوون، ويقررون فيه إن كانوا يقبلون بعضهم بعضا مختلفون فى اللون والعقيدة والمذهب والعرق والجنس والثقافة،وأن كل فرد على ظهر هذا الكوكب مخلوق حرا وله حق الحياه متفردا ومختلفا،وهو مالك أصيل للبقعة التى يعيش عليها بصك موثق منح له يوم سمح له بالوجود ومنح لقب انسان،استفتاء يقر فيه الجميع بأن الحفاظ على هذا الكوكب بيئة وبشر هو واجب محتم اجبارى على الجميع،وأن سلامة الانسان وسلامه وأمنه ورفاهيته هى الغاية السامية التى يجب أن يعمل من أجلها كل البشر، وأن العمل والكد والجهد والبحث هو السبيل الأوحد ولاغيره لاعمار هذا الكوكب، فإن قالت الاغلبية نعم لهذه المبادئ فإن ذلك يستلزم ترجمة هذا التوافق الى قوانين حاسمة وآلية قوية ومهابة ترسخ وتفعل كل هذه المبادئ السامية والمقاصد العليا حتى تستقر المجتمعات ويسود الأمان.

فلطالما وجدت شبهة تمييز أو فرز فى أى مجتمع بدعاوى مزورة وخصوصا تلك المصبوغة بالقداسة والهيمنة العرقية والقبلية، طالما وجدت هذه الدعاوى فالانسجام المجتمعى الى زوال شئنا أم أبينا،مهما دشنت دساتير وسنت قوانين ورفعت شعارات،وتصبح الاقليات الدينية والعرقية ضحية يومية على مذبح الكذب المستدام عن المساواه المزعومة والعدالة الكاذبة، ومن كثرة ترديد هذه الدلاسات يصدقها أصحابها،وكل هذه الدعاوى للانفصال فى طول الكوكب وعرضه بدءا من البوليساريو الى الامازيج الى الاقباط الى الاكراد الى النوبيين فى الشمال والجنوب الى الفوروغيرهم وغيرهم كثيرين،كل هذه الدعاوى أعراض للمرض المستعصى،مرض الهيمنة الدينية والعرقية والثقافية التى عانت وتعانى منه البشرية منذ فجر التاريخ، مرض التعصب والشعوبية واحتقار البشر بسبب أصولهم وأديانهم وثقافاتهم ومنشأهم.

ونعود الى الساحة الى آخر أعراض هذا المرض المزمن آخرهذه الاستفتاءات الصغيرة ونتساءل اذا كان الكورد يتمتعون بالعدل والمساواه فى منظومة يتماهى فيها الجميع فلماذا يطلبون الانفصال؟ ففى دولة يتلاعب فيها ملالى الحوزات وشيوخ الوقف بالساسة ويحركونهم كعرائس الماريونيت ويديرون ميليشيات طائفية من خلف الستار ترى هل يمكن أن تتماهى مكونات هذا الوطن وتتمازج وتندمج، أم يتقوقع كل مكون داخل جيتو ثقافى واجتماعى ودينى ويعيش الناس متنمرين بعضهم لبعض،ويصبح القتل عادة أدمنها الناس وأدمنوا الفرجة اليومية عليها، فالدولة العراقية مقسمة نفسيا وعرقيا ومذهبيا منذ السقوط العظيم، فما حدث فى العراق لم يكن ثورة شعب على حاكم لكنه كان ثورة عرق على عرق، ثورة عرقية مذهبية بامتياز، تحالف الشيعة والأكراد وهم الاغلبية مع الامريكيين لاسقاط حكم السنة الاقلية وتدمير كل مؤسسات الدولة واعدام حاكمها، وقبض الشيعة الثمن المتفق عليه كاملا ثم بدأوا بممارسة نفس الدور دور الهيمنة العرقية المذهبية على الجميع والعودة الى المربع الاول وما التشدق بوحدة العراق الا مقولة باطلة تجيز استمرار القهر والهيمنة وما هو الضير فى استقلال كردستان وهى مستقلة بالفعل ثم ماهو ذنبهم فى الحرب المستعرة بين أتباع على وأتباع عمر والتى لايبدو فى الافق القريب ولا البعيد نهاية لها، لقد استغلهم الجميع أبشع استغلال لوحوا لهم من بعيد بحلم الدولة وسخروهم آلة حادة فى جنوب اعدائهم، سخرهم العثمانيون والروس والانجليز والامريكيون فى كل مغامراتهم فى المنطقة وحتى العرب، ثم أدار الجميع لهم ظهورهم، وما الاستفتاء الذى جرى سوى كشف ارادة يعرفها الجميع فالكورد يريدون دولة هذا حقهم التاريخى فى تقرير مصيرهم طبقا لكل المعايير، فهم شعب ذو خصائص مشتركة ويعيش فى أرض ذات حدود معلومة وله تاريخ وله مقومات،والمرتعبون من هذا الاستفتاء يعرفون أن الرغبة الكامنة فى قلب كل كردى هى دولة ليست عاصمتها أربيل وانما عاصمتها ديار بكر، ان المناطق الكردية المغتصبة فى سوريا وايران وتركيا والعراق كفيلة بدولة تستطيع فى عقد واحد من الزمن أن تسبق كل هؤلاء، فهم مجتمع عامل ومعمر لايميل للتطرف الدينى، ونظرة سريعة على نجاح مهاجريهم واندماجهم فى مجتمعاتهم الجديدة ودور المرأة المميز ربما تدلنا على مستقبل واعد لدولتهم المأمولة.

ان الخيار الطوعى للشعوب فى الانضواء أو الانفصال فى أو من كيانات هو الحل التوافقى الأمثل للقضية، أما الهستيريا والتهديد والوعيد الذى يطلقونه لن يسفر عن شيئ يذكر، اللهم الا عقاب شعب أظهر رغبته على الملأ موثقة بالارقام، ومن ثم يرتفع جدار الكراهية أكثر مما هو علية، ولم يتعظوا من تجارب الامم أن الاستحواذ والهيمنة على الشعوب هو أسلوب فاشل مآله مصير محتوم هو الانفصال ان عاجلا أو آجلا، انهارت الامبراطورية البلشفية وانفرط عقدها وتشظت امبراطورية آل عثمان ولولا أتاتورك لانمحت كلها من الوجود، وانفصلت واستقلت شعوب فى أوربا ولم تعاقب بالحصار والاتهام بالخيانة بل تناغمت وتكاملت مع جيرانها وأصبحت الاحوال أحسن مما كانت عليه واستفادت كل الاطراف،ولم يقيموا مناحات ولم يرددوا هذه الشعارات الجوفاء عن الوحدة المزعومة وفرضها بالقوة.

وفى نفس السياق تعلن كتالونيا اجراء استفتاء على الانفصال عن أسبانيا، ولاحظوا الفرق فى التعامل مع الحدثين وسنرى شعوبا تعرف مصالحها دون عنتريات وشعارات كاذبة واشخاص كاذبون يدعون البطولة والدفاع عن الوحدة،وهو دفاع كاذب هذه هى نتيجته على الساحة،بدءا من السودان وانتهاءا بليبيا مرورا بالعراق واليمن وسوريا،وفى الوقت المناسب ستتزايد الدعوات بالاستفتاءات الصغيرة والكبيرة كل يوم.