شهدت العلاقات (الكُردية العراقية والإقليمية) توترأ شديدا على خلفية إجراء الإستفتاء على إنفصال إقليم كُردستان العراق ولا سيّما بعد أن حظي بتأييد جماهيريّ كبير داخل الإقليم وخارجة , الإستفتاء الذي كان من المقرر إجراءه في عام 2014 وسط جدل وخلاف بين اربيل وبغداد , وقد بدأ التوتركالعادة بحشود عسكرية تركية عراقية ضخمة وإجراء مناورات عسكرية على الحدود العراقية, حيث نشرت القوات المسلحة التركية، يوم الثلاثاء المصادف 26 ايلول ، صورا من المناورات العسكرية المشتركة التي اجرتها مع القوات العراقية على الحدود بين البلدين، والتي أعلن عنها بعد دقائق على انتهاء الإستفتاء على انفصال الإقليم.

ومن الجدير بالذكر , ان رئيس أركان الجيش العراقي الفريق أول ركن(عثمان الغانمي ) التقى نظيره التركي الجنرال (خلوصي اكار) رئيس أركان الجيش التركي ، في أنقرة قبل أيام من إجراء الإستفتاء على إستقلال كُردستان-العراق ، وأكد الجانبان في بيان مشترك على : ( وحدة أراضي العراق وأهمية المكافحة المشتركة للتنظيمات الإرهابية كافة والتعاون المشترك في تحقيق أمن الحدود) .

ومن هذا الفهم حددت بغداد شروطها للحوار مع اربيل , حيث اعلن السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي انه لن يتفاوض مع اربيل ما لم تعلن اربيل ( إلغاء الإستفتاء ونتائجه جملة وتفصيلا) , لان السيد العبادي يعرف جيدا ان نتائج الإستفتاء ستوفر مرجعا قانونيا يمكن التعويل عليه للإستقلال وخاصة بعد ان حظي بتأييد الاكثرية المطلقة من الشعب الكُردستاني ) , وذكر بيان صادر من مكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء الدكتور العبادي بعد ان صوت مجلس الوزراء في جلسته الاعتيادية التي عقدت يوم الثلاثاء المصادف 26 ايلول ، على ( إخضاع المنافذ الحدودية البرية والجوية في إقليم كُردستان للسلطة الاتحادية وذكر البيان أنه تنفيذا لأحكام الفقرات (اولا – ثانيا – ثالثا) من المادة 110 من الدستورالعراقي وعملاً بأحكام المادة 3/ اولا من قانون هيئة المنافذ الحدودية رقم 30 لسنة 2016 والمواد (4-5-9-21) من قانون سلطة الطيران المدني رقم 148 المعدل واستنادا للصلاحية المخوّلة لمجلس الوزراء بموجب المادة (80) من الدستور, قرر مجلس الوزراء ايقاف الرحلات الجوية القادمة من الدول الاخرى الى مطارَي اربيل والسليمانية او المغادرة منهما الى الدول الأخرى, وأشار الى ان ( هذا الايقاف سيبقى ساري المفعول لحين خضوع عمل مطارَي اربيل والسليمانية لرقابة واشراف هيئة المنافذ الحدودية وسلطة الطيران المدني الاتحادية، وبما يضمن تواجد ممثلي السلطات الاتحادية في المطارين المذكورين للقيام بالمهام المحددة قانونا، ويستثنى من القرار اعلاه الرحلات ذات الطابع الانساني والتي يجب ان تحصل على موافقات خاصة من السلطات الاتحادية، وكذلك الرحلات الطارئة التي يوافق على استثنائها رئيس مجلس الوزراء شخصيأ وأضاف البيان : ( وتخضع جميع المنافذ الحدودية البرية التي تربط جمهورية العراق بدول الجوار عن طريق إقليم كردستان لاشراف ورقابة هيئة المنافذ الحدودية الاتحادية، وغلق جميع المنافذ الحدودية البرية غير الرسمية التي تستخدم للعبور بين إقليم كردستان ودول الجوار، مبينا ان ( هذا القرار ينفذ من تأريخ صدوره عدا الفقرة اولا في الساعة 18:00 من يوم الجمعة الموافق 29 ايلول 2017، وعلى الجهات المعنية تنفيذ هذا القرار ) .

اما بشأن موارد النفط المنتج في الإقليم، قال السيد العبادي : طلبنا من الإقليم تسليم النفط للحكومة الاتحادية، وطلبنا من دول الجوار إيقاف ضخ النفط وبيعه، وهناك استجابة منها وسنعيد الموارد للموازنة ونخصصها لشعب الإقليم، مؤكدا ان الموارد المالية لنفط الإقليم تذهب لحسابات شخصية خارج البلاد، وعليه يجب ايقاف ذلك . 

اضافة الى موقف بغداد الرافض بشدة للإنفصال ،حذرت ايران والتي لديها حدود شاسعة مع إقليم كُردستان وتسعى من هذا المنطلق الى الحفاظ على مصالحها وامن واستقرار مناطقها لبناء علاقات متوازنة مع العراق الموحد بـ( إستقلاله وسيادته وأمنه واستقراره ), كما حذرتحكومة إقليم كُردستان من انها ستعيد النظر بعلاقاتها معها اذا تطرقت لموضوع أستقلال كُردستان , وكذالك تركيا التي تنظر بعين الريبة و القلق إلى احتمال إعلان دولة كُردية (تمهيدا لإعلان دولة كردستان الكبرى) تلهب مشاعر أكرادها وترفع من سقف تطلعاتهم القومية على سبيل المثال ( إنشاء إقليم مماثل لإقليم كُردستان العراق الحالي) , فالمراقب للتطورات الجارية التي حصلت بعد اجراء الإستفتاء , يرى بوضوح بأن تركيا كانت تقدم الدعم لأكراد العراق لا حبأ بهم ولا من اجل الإستقلال واعلان دولة كُردية مستقبلية والتي تهدد امنها القومي ( حسب تعبيرها ) بل لمصلحتها الاقتصادية وكرها بـ(بغداد من جهة , ولتثبيت مَوْطِئ قدم لها داخل الإقليم من اجل مواجهة ايران المنافس القوي على النفوذ الإقليمي في المنطقة من جهة ثانية ).

ان هذه التطورات السريعة في المنطقة , و تطلّع الشعوب فيها الى الحرية و حقها في تقرير مصيرها اثارت مخاوف جدية لدى دول الجوار, والتي اجبرتها على التحرك السريع لايجاد سيناريوهات لمواجهة نتائج الإستفتاء الكُردستاني , فلهذه الدول مخاوف جدية من ولادة دولة كُردية جارة لهم , لان بكل بساطة سوف تلهم اخوانهم الاكراد في الاجزاء الثلاث الاخرى بالتحرك للمطالبة بحق التقرير المصير والحقوق المتساوية بالمثل مع القومية السائدة شئنا أم أبينا.

خلاصة القول : لقد دللت تجربة الإستفتاء , مجددا وبقوة اكبر , الترابط الوثيق بين النضال من اجل الديمقراطية الحقيقية وتمكين الشعب الكُردي من ممارسة حقه في تقرير المصير بارادته الحرة , وعليه اعتقد جازما ان حكومة المحاصصة الحاكم في العراق وانظمة الدول الإقليمية المستبدة غير قادرة على ان تخطوا خطوة واحدة لصالح الشعب الكُردي في تقرير مصيره والاعتراف بالإستفتاء على انفصال إقليم كردستان العراق كشكل من اشكال حق تقرير المصير, باعتباره واحدا من اهم الحقوق المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة الأولى من العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وبالحقوق المدنية والسياسية والصادرين عن الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1966 , حيث اكدتا على حق جميع الشعوب في تقرير مصيرها وحرية تقرير مركزها السياسي .

بمعنى اخر . ان أحقاد التاريخ وثاراته فُتحت من جديد ,و لهيبها سوف يطال كل المنطقة ، بعد ان اثبت الإستفتاء الكردستاني حقيقة مفادها : ان تجربة اكثر من مائة عام من نضال الشعب الكُردستان من اجل تقرير مصيره ، مليئة بالفشل الذريع والانتكاسات والتراجع والكوارث والحروب وسحق كل محاولة للمطالبة بالحقوق المشروعة , وعليه بدون التغيير الحقيقي في نهج وسياسات الدول العظمى والتغيير في الانظمة والحكومات المستبدة في المنطقة يبقى الكرد ( كشعب )بلا وطن ولا هوية , في وقت اصبح فيه حتى للمطاعم اعلامها ورموزها ونشيدها فما بالك بقضية شعب قدّم انهارا من الدماء في سبيل حريته وتقرير مصيره ﻭﺘﺤﺩﻴﺩ ﻋﻼﻗﺘﻪ مع العراق كما يتجلى في الدستور والقوانين والمواثيق الدولية . 

نعم , بدون التغيير الحقيقي في نظام المحاصصة الحاكم في العراقمن جهة ,و التغيير في انظمة الدول الكولونيالية الإقليمية المجاورة المستبدة من جهة اخرى , ستبقى المنطقة في حالة مجابهة وتهديد بالاجتياح العسكري الذي لا يعرف احد نتائجه لو اندلع حريق الحرب. 

اخيرا اقول : يعرف الجميع ,بان قرار فرض الحصار الاقتصادي وتشديد الخناق على الإقليم هو قرار مجحف وسوف ويشكل عبئأ ثقيلا على الشعب الكُردستاني وحياة المواطنين بشكل عام , والفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى بشكل خاص ويزيد في آلامهم ومعاناتهم , في وقت يعاني الشعب الكردستاني ومنذ سنوات من الضائقة المالية والتقشق والتجويع وتاخر صرف الرواتب, ولايتحمل حصار بغداد بحجة معاقبة النخبة السياسية في الإقليم .

ان من يضطهد شعبه ويسحق كل محاولة للمطالبة بحقوقه ويعلن الحرب عليه وينكل به و يُضيّق الخناق عليه ويقوم بارتكاب مجازر والتطهير العرقي بحقه , ليس فقط لايمكن ان يكون مع حرية الشعوب المضطهدة الاخرى، وانما يشكل خطراً على نضال الشعوب من اجل الحرية والعدالة الاجتماعية , فحرية الشعوب لاتتجزأ ابدا ...ابدا .