قبل الرد على أوهامٍ تعيش عليها أنظمة سياسية شرق أوسطية تسويغاً لإستبدادها، يؤسفنا حقاً أن نلاحظ بأن الكثير من المثقفين العرب و الترك و الفرس يعيشون اليوم في حالة ثقافية مُزرية: ينخدعون ببساطة في كل ما يُقال و يُرَوَّج ضد الشعب الكُردي المُسلم، ويقعون بسهولة في أفخاخ ماكنات دعائية تابعة لحكوماتهم، أصبحت وظيفتها، تشويه الحقائق، ولكن هذه المرة بحق الشعب الكُردي و مسألة (تهديدات)ه و (مخاطر)ه! على المنطقة.
يؤلمنا فعلاً الشعور بتقهقر الوعي السياسي لدى المثقف الى هذه الدرجة، لاسيما في عصر، بات يُطلق عليه عصر الثورة المعلوماتية وإستحالة الإكتفاء بمصادر ما، دون غيرها، لفهم مايحدث في عالمنا المفتوح والمُعَولَم. وإنعدام المناعة الفكرية والإخلاقية أيضاً لدى الكثير منهم إزاء مشاريع التضليل و الترهيب، التي تمارسها هذه الإنظمة وأجهزتها الإعلامية لتوريط الجميع بمساؤها ومظالمها والخروج علينا فيما بعد بقناع الساحق للمؤآمرات والناسف للمخططات!.
السؤال هنا، ونحن نُقارب أمر مُحزن كهذا، هو كالتالي: لماذا، يا تُرى، كل هذا التأثر الواضح والخضوع الفاضح للمثقفين أمام هذا الكم الهائل من الخطابات الساذجة، التي تَطلُقها هذه الأنظمة بشأن الشعب الكُردي و تطلعاته الأخيرة في تقرير مصيره؟، لماذا يُشاطرون تضليلات السلطات مجاناً وبدون أدنى سؤال وشكوك؟ أين هو الشك المعرفي عندهم لفحص وتدقيق كل ما تمليه عليهم هذه الأنظمة وأجهزتها الدعائية كمسلمات و يقينيات بل غيبيات أحياناً بشأن حقيقة الآخرين و أخيراً أشقائهم الكُرد أيضاً في المنطقة!؟ لماذا باتوا لنا يقولون فقط ما تقوله سلطاتهم في الوقت الذي على المثقف أن يتسم أولاً بصفة جريئة هي قول الحق بوجه السلطة على حد تعبير ادوارد سعيد، أو قول (لا) أمام السلطان كما يقول سارتر؟ أين هي الوظيفة النقدية لهذه الشريحة المُجتمعية؟ لِمَ كل هذا الصمت المشين تجاه اسوأ السرديات في المماثلة بين الكُرد والكيان الصهيوني؟ 
أين هو وجه المقارنة بالله عليكم؟ كيف تقبلون بالتماهي بين من أحتل الأراضي العربية، ونعني هنا الكيان الصهيوني، وبين من قُسِمَت أرضه (الكُرد) على العرب والترك و الفُرس بناءاً على إتفاقيات إستعمارية مشؤومة قبلتم بها على حساب شعوب أخرى مضطهدة كالشعب الكُردي؟ كيف تقارنون بين من يقتل أطفالكم و يُدمر قراكم و مُدنكم و يستلب حقوقكم وحرياتكم في فلسطينكم و قدسكم، وبين من قُتلت أطفاله و دمرت قراه و مدنه و أنفلت منه بمئات الآلاف و قُصِفت أبنائه بالأسلحة المحظورة دولياً على يد أنظمتكم المستبدة؟
أين يكمن عين العقل في هذا التماهي الساذج الذي تسوقه لكم أجهزة إعلامية مُضللة، أو رموز الأنظمة في المنطقة وعلى رأسها آية الله "خامنئي" حين يقول لنا- دون أن يبالي بمشاعر اربعين مليون كُردي مُسلم- "ان امريكا وقوى خارجية يسعون لإيجاد إسرائيل جديدة"؟ وكيف تشاطرون عداء الرئيس التركي لإستفتاء كردستان بذريعة واهية كذريعة منع ولادة إسرائيل أخرى بينما يؤكد لكم هذا الرجل جهاراً وأمام العالم اجمع "بأن تركيا بحاجة الى إسرائيل"..؟ 
لماذا تحاسبوننا بكامل وعيكم و تشعرون بالإستفزاز – بتعبير عبدالباري عطوان- عندما يرفع شاب يهودي كُردي في إسرائيل- و ليس في كُردستان و داخل احتفالاتها بالإستفتاء- علم الكيان الصهيوني، بينما تبقون صُم وبُكمٌ و عميٌ إزاء علاقات دول عربية مع الكيان الصهيوني كما يذكركم بها المفكر الكويتي الإنسان، طارق السويدان؟ كيف يمر عليكم منطق التساوي بين من حاولت إستخدام الكُرد كورقة ضغط ضد بلدانكم واعني محاولة تل أبيب منذ ستينات القرن الماضي، وبين موقف الكُرد الرافض دوماً لهذه اللعبة بل حتى مقاتلة الصهاينة احياناً دعماً للشعب الفلسطيني الشقيق و قضيته المشروعة؟ كيف تشبهون الكُرد بالكيان الصهيوني بينما يُشَرد هذا الأخير، يومياً، أخوانكم في الدين من مسكنهم و موطنكم- كما هو الحال في فلسطين- بينما يحتضن الكُرد الملايين من العرب النازحين و الهاربين من الطائفية والأرهاب، ويجعل أبوابه مفتوحاً بوجه السوريين و الأتراك و الإيرانيين للعمل في كُردستان و كأنها بلدهم الثاني آمنين سالمين؟ 
كيف تسمحون لأنفسكم بمعاداة الكُرد بحجة وحدة العراق أرضاً و شعباً في حين ترون بأم أعينكم طغيان الطائفية السياسية، القائمة أصلاً على تقسيم البلاد من خلال تدمير أهل السنة في العراق و تخوين الكُرد وذبحهم بتهمة قدوم إسرائيل اخرى جديدة؟ اليس هذه السرديات التَماهوية المُخادعة هي محض سذاجة وتخلف في الفكرو التحليل أو المنطق والتفسير؟ اليس من العار أن يدعم المثقف و يواكب مثل هذه الخطابات المُتهافتة، التي تستهدف تعايش الشعوب و تزرع العداوة فيما بينها تمهيداً لتفتيتها و تقسيمها؟ اليست هذه العقلية، هي التي تقود الشعوب الى الفتن و الحروب و تُجردها حتى من حق البقاء؟.

باحث سياسي و إعلامي من اقليم كُردستان