(عندما يكثر الطباخون تحترق الطبخة)، هذا المثل الشعبي الشائع ينطبق كليًا اليوم على إقليم كُردستان في ظل تنوع المواقف وتعدد الاراء وتضارب التصريحات والبيانات والتقارير الحزبية حول نتائج وتبعات الإستفتاء الكُردستاني. 
إذ من غير المنطقي أن تطالب بالشيء وعكسه في آن، كما يحدث على الساحة السياسية الكُردستانية وللاسف، فعلى سبيل المثال لاالحصر، بعدما فرضت الحكومة العراقية إجراءات عقابية جائرة على شعب إقليم كُردستان، رحبت الكتل الكردستانية الثلاث الممثلة في مجلس النواب الاتحادي (حركة التغيير) و( الاتحاد الوطني الكُردستاني) و(الجماعة الاسلامية)، (بمبادرة المرجع الشيعي الأعلى في العراق السيد (علي السيستاني) (1 ) الرافض للانفصال وتقسيم العراق، وثمن النائب عن الجماعة الاسلامية (سليم شوشكه يي) دعوة المرجعية الدينية إلى الحفاظ على وحدة العراق ورفضها لتقسيمه ومناداتها بتحقيق مصالح الشعب الكُردي من خلال دعوة رئيس الوزراء العراقي الى منح الحقوق لابناء الشعب الكُردي، مبيناً أن هذه المبادرة تنسجم مع رؤية غالبية الاحزاب الكردستانية. 
وتزامنأ مع ترحيب الكتل الكُردستانية بمبادرة المرجع الشيعي الأعلى في العراق السيد (علي السيستاني) الرافض للانفصال وتقسيم العراق، صرحت السيدة (هيرو ابراهيم احمد، زوجة الرئيس الراحل السيد جلال الطالباني والتي تقود جناح الأكثرية في حزب الاتحاد الوطني الكُردستاني بخصوص تشكيل (القيادة السياسية لكردستان - العراق)(2 ) وقالت : ( ان دولا قوية مثل امريكا وبريطانيا وروسيا والصين والاتحاد الاوربي والامم المتحدة ودول الجوار طالبت بعدم اجراء الإستفتاء في الوقت الحالي، وقدمت عدة حلول لحل المشاكل، الا ان القيادة الكُردستانية وانا منها تحدت العالم، مشيرة الى أن( شعبنا الان يدفع ضريبة ذلك). 
اما بحصوص تشكيل (القيادة السياسية لكردستان العراق ) علقت السيدة (هيرو ابراهيم )وقالت : بدلا من اجراءت واقعية، تفاجأنا بصدور قرار بتشكيل مجلس للقيادة السياسية لكُردستان العراق الذي يشبه مجلس قيادة الثورة المنحل، دون الاستشارة بقيادات الاحزاب السياسية الكُردستانية كما جرى في تحديد يوم الإستفتاء ) 
والملفت للنظر ان السيدة (هيرو ابراهيم ) تتخبط في مواقفها يميناً ويساراً، تارة تتحدث عن احقية الشعب الكردي في تقرير مصيره، وتارة أخرى تقول : ان الشعب يدفع ضريبة تعنت وتحدي القيادة الكردية بإجراء الإستفتاء.
تناسىت السيدة ( هيرو ابراهيم ) بانها كانت تدعم مهرجان إستفتاء إستقلال كُردستان بحضور البارزاني و عدد من قادة حزبه في ملعب السليمانية في 20 ايلول 2017، كما نست او تناست ايضأ اصرارها وتاكيدها على التزام القيادة السياسية في إقليم كٌردستان بحق شعب كُردستان في الإستقلال وإجراء الإستفتاء في موعده المحدد في حال عدم تقديم البديل المقنع.
اما حركة التغيير فقد شددت في بيان لها مؤخرا على : أن الإستفتاء من دون تهيئة أرضية ملائمة شق صفوف الشعب وتسبب في خيبة أمل وامتعاض دول المنطقة وأصدقائنا، وأصبح ذريعة بيد الجهات الشوفينية لتقف ضد مطالبه المشروعة. 
وأضافت : أن تشكيل مجلس القيادة يمثل عودة العملية السياسية إلى الوراء بدل الانتقال إلى تشكيل مؤسسات وطنية)، ودعت إلى (تشكيل هيئة مكونة من الشخصيات الوطنية والمختصة من قبل برلمان كُردستان للبدء بالحوار مع بغداد تحت إشراف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لمعالجة المشاكل العالقة بين إقليم كُردستان وبغداد في إطار (الدستورالعراقي)، واكدت في بيانها : ان نتائج الإستفتاء أصبحت في الوقت الحالي تهديدا جديا على حياة ومعيشة مواطني كُردستان ومكتسباتهم ). 
من جهة اخرى، ايدت عضو مجلس النواب عن الاتحاد الوطني الكُردستاني (ريزان شيخ دلير)، ما ذهبت اليه المرجعية الدينية العليا بشان فتح باب الحوار بين بغداد واربيل تحت شرط الحفاظ على وحدة العراق، مشيرة الى أن التفاعل مع خطاب المرجعية هو من الأساسيات لكل الاطراف للعودة الى طاولة حوار عراقية بعيدة عن كل التجاذبات الاقليمية والمصالح الدولية, وأضافت (ريزان ) أن ( التفاعل مع خطاب المرجعية هو من الأساسيات لكل الاطراف للعودة الى طاولة حوار عراقية وطنية بعيدة عن كل التجاذبات الاقليمية والمصالح الدولية لاننا في النهاية نحن فقط من يؤثر ويتاثر بالنتائج على أرض الواقع)، مؤكدة ( ضم صوتها لصوت المرجعية لفتح باب الحوار بسرعه من كلا الطرفين وتحت شرط واحد فقط هو امان وسلام ووحدة العراق وشعبه اولا من زاخو الى الفاو، ووضع مصلحة الوطن فوق كل المصالح ). 
ووسط تضارب التصريحات وهذه الفوضى والتخبط والإعلان عن الموقف ونقيضه، طالبت مجموعة من الناشطين والصحفيين الجهات المعنية في اقليم كُردستان بالاهتمام بجوهر القضايا الوطنية و تحقيق المكتسبات وسط هذه التطورات السريعة التي تشهدها الشرق الاوسط وذالك من خلال عقد (مؤتمر وطني كُردستاني) شامل لرسم سياسية ودبلوماسية كُردستانية مشتركة وتحديد موقف مشترك من المخاطر التي تحدق بالشعب الكُردي ومكتسباته ). 
, ان حالة التوهان والانقسامات السياسية الكردية وتضارب مواقف الاحزاب الكردستانية ازاء القضايا المصيرية خصوصاً بعد أزمة استفتاء إقليم كردستان وما تبعه من مشاكل واجراءات عقابيىة جائرة، إن دلت على شيء فهي تدل على أن الإقليم يعيش اليوم في مأزق كبير ويعاني من مشاكل على مختلف الصعد، والتي تبدو حتى الساعة، من دون افق لإمكانية إيجاد حلول جدية وناجعة، للخروج من دائرة الازمات والصراعات الحزبية المقيتة والتي تعصف بالإقليم و تزداد حدتها يومأ بعد يوم وتتوسع دائرتها بشكل سريع، بحيث يصبح الخروج منها شبه متعذّر، إن لم نقل مستحيلًا... 
اخيرا، كمراقب للشأن الكُردستاني اقول : في ظل هذه التصريحات المتناقضة والعشوائية والتي لا تهم أحدًا سوى تجّار السياسة، وفي ظل حالة التشرذم والانقسامات السياسية والمخاطر الجدية التي تُحدق بالشعب الكردستاني بسبب إنفراد الاحزاب باتخاذ قرارات مصيرية من دون الرجوع الى (البرلمان الكُردستاني والذي يجب ان يكون المرجع الوحيد والمخول للتباحث في القضايا المصيرية )، اضافة الى تراجع العمل المشترك بين الاحزاب الكُردستانية بشكل كبير، وفي ظل هذه الفوضى العارمة والانقسامات السياسية بشأن جملة من القضايا المصيرية في الشارع الكُردستاني الملتهب غضبآ من سياسات الحصار والتجويع والعقاب الجماعي، في ظل هذه الفوضى العارمة والتجاذبات والانقسامات الداخلية والّتي سوف تزداد حدّتها بشكل كبير وخاصة بعد وفاة رئيس الجمهورية العراقي السابق (جلال الطالباني )، تحترق كُردستان كأي طبخة كثُـر طبّاخوها. 

ـــــــــــ
(1 ) رفض المرجع الشيعي الاعلى في العراق السيد علي السيستاني خلال خطبة الجمعة في مدينة كربلاء محاولات تقسيم العراق واقتطاع شماله ودعا جميع الاطراف العراقية إلى الالتزام بالدستور وطالب الحكومة بعدم المساس بحقوق الأكراد وأكد ضرورة اللجوء إلى المحكمة الاتحادية لحل النزاع بين حكومتي بغداد وأربيل. وشدد على ضرورة ان يكون الحوار بين المكونات مبنيا على احترام خصوصيات الاخر وتجنب ما يسئ إلى اللحمة الوطنية بين المكونات العراقية. 
(2) أعلنت اللجنة العليا للإستفتاء في اجتماع لها يوم الاحد المصادف 1 تشرين الاول عن انتهاء مهامها بعد اجراء عملية الإستفاء وعليه قررت تشكيل (القيادة السياسية لكُردستان – العراق) بدلا عنها، للتعامل مع نتيجة الاستفتاء, وطبقاً للمصادر الكُردية، فإن الكيان الجديد سيصبح بمثابة مجلس استشاري، لكن لا يصدر قرارات إلزامية، التي بدورها ستكون من مهام برلمان الإقليم، فضلاً عن ضلوعه بمهام الحوار مع الحكومة العراقية والمجتمع الدولي في مسعى لإقناعها بالاستفتاء ونتائجه).