فكرة تقسيم العراق الى ثلاثة كيانات ليست وليدة اليوم، فمنذ الغزو الأمريكي – البريطاني للعراق عام 2003م اصبح خيار التقسيم متداولا في اروقة مراكز القرار الأمريكية، وبدأت معاهد الدراسات السياسية والاستراتيجية ووسائل الإعلام الأمريكية تروج لمجموعة من الأفكار والمفاهيم التي تخدم مشروع التقسيم، وتعمل على إقناع الشعب العراقي بفكرة التقسيم، كما تم تصوير العراق للرأي العام العالمي على انه دولة مصطنعة بالإكراه من اجزاء متنافرة.
اول من روج لمشروع التقسيم في العراق وزير الخارجية الأسبق "هنري كيسنجر" الذي دعا في شهر مارس 2006م الى تقسيم العراق الى ثلاث مكونات مرجحا ان يكون مصير العراق كمصير يوغسلافيا السابقة. وقد اثنى على هذا المشروع "جو بايدن" عندما كان نائبا عن الحزب الديمقراطي في الكونجرس الأمركي في شهر مايو 2006م، حيث دعا إلى تقسيم العراق الى ثلاثة أقاليم (سني وشيعي وكردي) يتمتع كل اقليم بحكم ذاتي، وقد جدد دعوته هذه بقوة عام 2013م عندما كان نائبا للرئيس. يعتقد "بايدن" أن المشاكل التي تعصف بالعراق لا يمكن حلها وتجاوزها من دون عزل طائفي يكون فيه لكل من السنة والشيعة والأكراد وضع سياسي وجغرافي ومعنوي في ثلاثة أقاليم مستقلة، تجعل هذه الطوائف أكثر انسجاما مع عراق فدرالي يوسع دائرة الخيارات لكل طائفة.
ومن الشخصيات العسكرية الأمريكية الداعمة لمشروع تقسيم العراق الجنرال "جوزيف دانفورد" رئيس اركان الجيش الأميركي، الذي قال صراحة في جلسة تنصيبه امام الكونجرس في شهر مايو 2015م، إنه يرى إمكانية لتقسيم العراق إلى دولتين كردية وشيعية. وفي سؤاله عن إمكانية قيام دولة سنية ثالثة قال "دانفورد" إن ذلك غير ممكن لسببين، الأول: لا توجد موارد كافية في المناطق السنية تكفي لقيام كيان من هذا النوع، والثاني: إن قيام ثلاث دول سوف يشكل إشكالية أمام الولايات المتحدة لإدارة البلاد، فالواقع يتطلب وجود دولة مركزية قوية في بغداد. وقد أعاد الرئيس "دونالد ترامب" تنصيب "دانفورد" رئيسا لأركان الجيش عام 2017م ووافق عليه الكونغرس من جديد. يعتقد "دانفورد" أن الأكراد هم القوة الفعّالة والحليف المؤثر في المنطقة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، كما تعهد بأنه سوف يشرف شخصيا على تسليحهم وتدريبهم والتأكد من فعاليتهم وضمان إمكانية قيام دولة كردية قوية.
هذا على صعيد الموقف الأمريكي، أما على الصعيد الكردي، فالأكراد لم يخفون - يوما ما - رغبتهم في إقامة دولتهم المستقلة، وقد عبر عن هذه الرغبة بوضوح "السيد مسعود برزاني" خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية في شهر مايو من عام 2015م، حيث قال: إن وحدة العراق اختيارية وليست اجبارية. واضاف لاحقا عبر حسابه على تويتر قائلا: "لا اعلم متى ستستقل كردستان، لكن الاستقلال بالتأكيد على الطريق". في الواقع حكومة اقليم كردستان الحالية تدير الإقليم كأنه دولة مستقلة عن العراق، فالإقليم لديه حكومة، وحدود، وعاصمة، وعلم، ودستور، وموارد اقتصادية، وجيش، واجهزة امنية، ولا ينقصه إلا ان يعلن إستقلاله ويطالب العالم بالاعتراف به كدولة مستقلة، والاستفتاء الذي جرى في يوم 25 من الشهر الماضي يصب في هذا الاتجاه. 
بعد أن عاش الاكراد منفصلين واقعيا عن العراق لأكثر من ربع قرن، أي منذ فبراير عام 1991م، تعزز هذا الانفصال واصبح رسميا على الورق بعد الاستفتاء ولم يعد التراجع عنه ممكنا او حتى تأجيله، لكن السيد "مسعود بارزاني" سبق أن أعلن أن الاستفتاء لا يعني اعلانا تلقائيا للاستقلال، لكنه سيشكل بالأحرى نقطة الانطلاق لمفاوضات جدية مع بغداد حول عدة مواضيع. السؤال: هل يستغل السيد "بارزاني" نتائج الاستفتاء إلى رفع سقف المطالبة الكردية في التفاوض مع بغداد، والمطالبة بدور سياسي واقتصادي أكبر وخصوصا حول المناطق المتنازع عليها، ام انه يسعى حقيقية نحو الانفصال؟ 
في اعتقادي الشخصي، الشعب العراق بكل مكوناته حاليا على مفترق الطريق بين الطلاق السياسي المخملي على شاكلة "تشيكوسلوفاكية السابقة" او "الاتحاد اليوغسلافي السابق". ايهما يختار؟