لا مناص، الحرب قادمة. الحرب التي ستغير عاداتنا وعواطفنا وتاريخنا وشئ من الجغرافية. الحرب قادمة بأرادة الطرفين الخفية، المكبوتة، والضرورية في رغبات اعماق اللاوعي للشعبين العربي والكردي في البلاد الواحدة تاريخيا, لا طرف ثالث هناك، كما في زيجات المصلحة، لا في زيجات الحب والعواطف. الحروب يخلقها الأقتصاد وتخلقها السياسة والمصالح الستراتيجية، واحيانا، كما في الأساطير والملاحم قصص الحب الفاشلة. عربنا واكرادنا فشلوا في قصة حبهم ولزمن طويل
العراق، عاش ويعيش قصص حب فاشلة منذ منذ سقوط بابل.تاريخه كله، منذ ان رمى جلجامش السومري عشتار " آلهة الحب "، هو قصة حب يبحث عن خلوده في مكان آخر غير مروج الحب. لكن لا خلود الا في القصص التي كانت ترويها الجدات ولم يعد يرويها احد في زمن الهواتف المحمولة واللجوء الى اوربا وداعش والعشائر والمرجعيات والركض وراء تخمة المال والمناصب والبحث عن الهويات الصغيرة بين مسالك الطوائف والقوميات و دهاليز المذاهب والتقاليد العشائرية وابهة العقال والعمامة، بيضاء او سوداء او حمراء كردية، عقراوية مخططة او بارازنية. الكل يريد الكل في مجتمع الأسياد الجدد.
هل الناس سواسية كأسنان المشط في العراق الجديد الذي سفكت دماء من اجله، وسالت دموع ومات من اجله ناس كثر كمدا وحزنا؟ تلك خرافة للأعلام والندوات التلفزيونية وموائد السمر السياسي. المعارك كانت في الداخل، اللامرئي، واللامعرف، واللا منطوق. واحد يكذب على الآخر من أجل ان يمضي القطار بلا مسافرين على سكة ليس في طريقها محطات ولا مدينة وصول.
نعم، "الريل وحمد" العراقي محض كذبة. لا شيوعية ولا رأسمالية في الفكر العراقي، بل انتقام من التاريخ الذي عاشه الجميع كضحايا. من منا لم يكن ضحية في مساء مكبل بالحزن والحنين وذكرى القتلى الذين مضوا قبلنا هباءا؟ الشهداء، كما نسميهم في لغتنا، في أدبنا. حتى الملاحدة، عندنا، يسمون ضحاياهم شهداء؟ شهداء على من وعند من؟ تاريخنا شائك و وعر. تاريخ عزلة والعزلة تولد الضغينة والضغينة تجعلنا نحب اكل التراب. الحياة والموت، الحب والبغضاء، الماضي والمستقبل، كل هذه الأشياء تصير محض تراب في عين الذي لم يثقب الحب فؤاده. 
الأكراد يريدون دولة بأي ثمن، دولة بحدود وبعلم وجيش وحرس حدود وبسط حمراء. العرب يريدون عراقا ازليا، تغيرت خارطته، رغما عنهم اثر كل حرب بين امبراطوريات سابقة ولاحقة. الجغرافيا عندنا اقوى من التاريخ، والكل يريد جغرافية، خاصة، به. أهل السهل الرسوبي يريدون جغرافيتهم، أهل الأهور يريدون جغرافيتهم واهل البادية يريدون جغرافيتهم واهل الجبل يريدون جغرافيتهم الجبلية، رغم بدلاتهم الأفرنجية التي لا تسمح لها بتسلق الجبال.بيت سحري، هو العراق، كل فئة مؤمنة او باغية، قليلة او كثيرة، تريد منه مكانا في الذرى. اذن من سيسكن ويعتاد العيش في الجغرافية المتواضعة التي بلا نفط؟
الأمبراطوريات تتقاسم الغنائم منذ قرون على ثرى العراق، والعراق يئن من حرب الى حرب، ومن طاعون الى طاعون، ومن جيش شعبي الى حشد شعبي، ومن مقاومة شعبية الى حرس قومي ومن زعيم الى قائد، ومن شيخ عشيرة الى سماحة سيد.اين ستمضي هذه الدابة التي ركبها اهل العراق وتسمى بلادا؟
لا سلام. نكذب على بعضنا حينما نتحدث، نفاقا، عن السلام والأخوة المفتعلة. الكل، في اعماقه يريد الأنتصار على الآخر واخذ الدية، عربا واكرادا. دية الأنفال، دية انتفاضة الشيعة، دية خسارة السنة السلطة،دية الذين ماتوا بلا منطق وسبب: ملايين العراقيين. انها دية الذل المؤبد الذي يعيشه العراق منذ سقوط آخر دولة في بابل. بابل التي بسقوطها بلبت اللغات والعقول وجعلتنا عشاقا للماضي، عشاقا بلا منازع، تحسدنا الآلهة والملائكة وبقية البشر على عشقنا المفقود، في شعرنا، في الأغاني، في ثمالتنا التي لا تشبه ثمالة الآخرين وفي كسر عظام بعضنا.
اليوم، اكرادا وعربا لا يجمعنا حزام واحد، كما ادعينا في اغنية مائدة نزهت العربية. لا انسام شمال وجنوب كما في اغنية احمد الخليل الكردي. ما يجمعنا هو خوفنا من بعضنا، ترصدنا لبعضنا، بأنتظار ساعة الصفر. الساعة التي يعلو فيها هدير احزمة الدبابات على احزمة المودة والحب الني غنيناها راقصين في دبكات نضرب فيها الأرض بحثا عن الجذور. والأرض التي لم نسقها حبا ضلت صلدة كصلادة قلوبنا، عسيرة امام ضربات اقدامنا ولم نرمي في طياتها جذرا واحدا.
اليوم، والكل يغني لليلاه، متخيلا انتصارات على الآخر، محو ومحق، وهدم البيوت وهدر الدماء، يهدر صوت ابليس، الذي يخشاه هذا الطرف او ذاك ويتعوذ منه، مغنيا اناشيد نصر لم و لن يأتي وقتها.فالحرب خسارة للطرفين ولو ازهقت نصف نفس؟ والحرب ابليس لعين، لا يغوي العاشق كما يقال، بل يغوي النفس الأمارة بالسوء، وشر السوء هو الحرب.
على كل عراقي، ان يسأل نفسه: حتام نظل نخجل من انفسنا؟