وأخيراً حصل ما حصل في المناطق المتنازع عليها!، وكان ذلك متوقعاً لأن الحكومة في بغداد أتفقت مسبقاً قبل وقوع الأحداث بيوم، مع الجانب الكُردي، أو الجهة الكُردية الأساسية في محافظةكركوك على عدم المواجهة عسكرياً والسماح بإعادة إنتشار القوات الإتحادية فيها، الأمر الذي لايعني، بخلاف التسويق السياسي الخاطيء له من أطراف معينة أو بعض الفضائيات غير المسؤولة، بأنه هزيمة، أو حتى مساومة من طرف كردي ما على قضية كركوك أو التراجع عن التمسك بها دستورياً، وإنما هو بمثابة معالجة واقعية ووقائية لتجنب عدة مخاطر كارثية كانت على وشك الإنفجار،أبرزها إحتمال وقوع حرب عربية- كردية وإقتتال دموي بين بغداد واقليم كردستان لحد حرب أهلية طاحنة، فضلاً عن مخاطر تدمير المدينة وزهق أرواح المواطنين الأبرياء فيها بكرده وعربه وتركمانه.

كما لايعني إنتشار القوات الإتحادية في هذه المناطق وبسط سيطرتها عليها على أنها إنتصار على عدوٍ ما طالما هناك سابقةللقوات العراقية والبيشمركة معاً في التصدي للإرهاب ومواجهة العدو المشترك جنباً الى جنب لحد أختلاط دمائهم مع بعض في بعض الجبهات، وقد رأينا أن وسائل الإعلام العراقية الرسمية، هي أيضاً، لم تلفظ بعبارات من هذا القبيل بحق البيشمركة، أو مقاربة المشهد وتحليل العمليات بلغة متشنجة وعدائية، وأنما، بعكس ذلك،أشادت ولاتزال بحرص الأطراف الكُردية وخاصةً قوات الكُردية على عدم الإنجرار الى سفك الدماء، لاسيما أن ثمة تجارب تؤكد لنا بأن مثل هذه الخلافات ستكون، في النهاية، قابلة للتسوية والحل السلمي والسياسي ولا رغبة في تحويلها الى فتنة قومية دموية طالما هناك عقلاء في الطرفين يتعاملون مع الموقف بروح المسؤوليةويلتزمون بنداءآت المراجع الدينية والأطراف السياسية المعتدلة لإحتواء الأزمة.

الآن ينغبي على الطرف الكُردي أن يُنظم الأمور ويطالب أولاً بإدارة مشتركة للمناطق المتنازع عليها بعد إنسحاب قواته منها دون قتال، خصوصاً أن لتسمية هذه المناطق وبهذه الجمل الواردة في نصوص الدستور أيضاً، معانٍ واضحة وصريحة، أهمها هو عدم شرعيةانفراد أي طرف من النزاع بالسلطة على مقدرات ومكونات هذه المدينة والمناطق الأخرى المشمولة، وأستحالة حسم أمرها عسكرياًوبعقلية فرض أمر الواقع على الآخرين، وبالتالي إدارتها بمنطق القوة وإقصاء المكونات الأساسية فيها، ورغم أننا لم نلتمس حتى الآن رغبة من هذا القبيل من قبل الحكومة الإتحادية، إلا أنه لايمكن التعويل أيضاً- من باب الإحتراز والإحتياط - على أن تفي هذه الأخيرة بكامل وعودها التي أطلقتها بشأن التعاطي المرتكز على الدستور مع ملف كركوك وألتزامها على الخطاب الرسمي الذي سوغت بها قرار إعادة نشر القوات الإتحادية في هذه المناطقوأقنعت بها أيضاً حتى الولايات المتحدة بمشروعية إتخاذ هكذا قرار.

 كما وعلى الطرف الكُردي أن يُحمل الحكومة العراقية مسؤولية أي أستهداف أو إعتداء على البقية الباقية في المدينة من المكون الكُردي أو الحفاظ عليهم من أي إنتهاكات لحقوقهم وأموالهم وممتلكاتهم، لاسيما في ظل فراغ أمني خطير تشهدها الآن هذه المناطق في غياب قوات البيشمركة والآسايش (الأمن) و وجود عناصر مسلحة غير نظامية تابعة للأحزاب والتيارات المتعصبةوالمتطرفة والتي أستهدفت سابقاً وبطرق مشينة أبناء المحافظات السنية. إضافة الى أن على الطرف الكُردي أن يتمسك بموقف العودة الى طاولة الحوار والتفاوض مع الحكومة العراقية وإظهار المرونة اللازمة، لاسيما بعد أن تبين له أن حكومة العبادي مدعومة دولياً وإقليماً حتى اليوم لإعتبارات سياسية وأمنية مختلفة وصارت تستقوي نفسها علناً بقوى أجنبية ساهمت بعض منها ميدانياً بخبرائها العسكرين في وضع خطط إعادة الإنتشار والتحركات العسكرية للقوات الإتحادية حسب بعض المعلومات الإستخباراتية هُنا في كُردستان..

كما وعلى الطرف الكُردي أن يبحث حتى جدوى البقاء في العملية السياسية إذا لزم الأمر، أو في حال عدم إلتزام الحكومة في بغداد بالحوار الجاد والمثمر وتطلعها الى المزيد من التصعيد العسكري على خلفية الإحداث في المناطق المتنازع عليها، لاسيما أذا ماأُستُثمِر هذا الخيار كمعارضة معنوية أو مقاطعة إحتجاجية للعملية السياسية ولسياسات الإنفراد بالسلطة في العراق وذهنية إخضاع المكونات بمنطق القوة وعدم ايلاء أي أهتمام بهم في الشراكة والمشاركة وصنع القرار.

 إضافة الى كل ذلك، بإمكان الطرف الكُردي أيضاً أن ينظم تظاهرات مدنية في داخل وخارج العراق وكُردستان وخصوصاً في المناطق المتنازع عليها والخروج الى الشوارع إحتجاجاً على أي سياسة إقصائية تمارسها الحكومة الإتحادية وإبلاغ الرأي العام العالمي بأي خرق أو اعتداء يتعرض له المكون الكُردي في المناطق الكردستانية الخاضعة للجيش العراقي، وإعادة تنظيم القوات البيشمركة على مشارف مدن هذه المناطق إستعداداً لأي مواجه تبادر فيها حكومة بغداد بإتجاه إقليم كردستان، والعمل أيضاً على رصد الخروقات الدستورية للحكومة الإتحادية، لاسيما التنسيق الذي أجراها أخيراً مع أطراف أجنبية حسماً منها لخلافات داخلية بل الإستقواء بمواقفهم التي تشجع مستقبلاً المزيد من التدخل في شؤون العراق الداخلية وإدانة صمت بغداد أيضاً حتى ازاء التواجد الأجنبي غير القانوني على الأراضي العراقية.

كما وعلى الطرف الكُردي أن يُفشل أمراً آخر في غاية الأهمية وهو مراهنة الغير على تشرذم البيت الكُردي وأستهداف وحدة صفهمن خلال إبراز الخلافات الحالية الدائرة بين الأحزاب، والإسراعأيضاً في إحتواء التوتر وإيقاف التراشقات الإعلامية، التي تمارسها الأحزاب تجاه بعضهم البعض، والعودة الى التنسيقوالتلاحم القائمين على إتخاذ الدروس والعبر من الأحداث والشروخات الخطيرة التي وقعت مؤخراً والحد من استغلالها من جانب الأطراف الأخرى.