أولا، لابد ان نقر ونقول بان حكومة المحاصصة في بغداد قد اوصلت العراق الى حافة الانهيار، جراء نهجها الطائفي والمذهبي وتبعيتها لايران وتبديدها للثروة الوطنية ونهبها منذ سقوط النظام العراقي ولحد هذه اللحظة، ومصادرتها ارادة الشعب العراقي، ومعقابة شعوب كوردستان باكملها بحجة ( التمرد والخيانة العظمى )، وان ما حصل من قتل ونهب وحرق بيوت المواطنيين وتدمير مقرات الاحزاب الكوردستانية في مناطق المتنازعة عليها في 16 تشرين الاول 2017( راجع بيان الامم المتحدة الصادر في 19 تشرين الاول 2017 حول الانتهاكات الخطيرة بحق المواطنيين العزل في المناطق المتنازعة عليها على يد قوات الحشد الشعبي )، دليل واضح وصريح على النهج العدواني لحكومة المحاصصة والذي انعكس بشكل مفجع على حياة المواطنيين في تلك المناطق المغدورة من جهة، وتفاقم مظاهر التمييز والنزاعات الشوفينية والتعصب القومي والديني والطائفي والعنصرية التي فاقمتها الحروب ونهج حكومة المحاصصة المقيتة من جهة ثانية، اضافة الى ذالك، إن إستهتار حكومة الإقليم ومتاجرتها بالام الناس وعذاباتهم عقدت المشاكل بين ( اربيل وبغداد ) وأدّت بنا إلى ما نحن فيه اليوم. 
لقد اثبتت مسيرة الاحداث خلال السنوات الماضية ان هناك امكانيات واقعية لتعبئة قوى الديمقراطية واليسارية المتمثلة بالحزب الشيوعي العراقي( الذي ناضل منذ الثلاثينات من القرن الماضي من اجل مكافحة الشوفينية وضيق الافق القومي والنعرات الطائفية والعنصرية من اي مصدر كان، كما ناضل بلاهوادة من اجل الحقوق القومية المشروعة للقوميات والاقليات، ودعمه لنضال الامة الكوردية المجزاءة ضد الاضطهاد القومي ومن اجل ضمان حقها في التقرير المصير ). 
نعم، كانت ولاتزال هناك امكانيات واقعية على الصعيد الداخلي لاحراز مزيد من النجاحات وخصوصا اذا ما تراصت الاحزاب والمنظمات والقوى الديمقراطية والتقدمية اكثر فاكثر، واذا نسقت جهودها الحقيقية فيما بينها لكبح جماح الطائفية المقيتة والتدخلات الإقليمية وفي مقدمتها ايران ومنعها من التحكم بمصير الشعب العراقي من خلال وكلائها ( حكومة المحاصصة ) وفقا لمخططاتها ومصالحها واجندتها، ولكن وللاسف ان ما نراه اليوم, هو عكس ذالك وان الاحداث العدوانية الاخيرة على شعوب كوردستان التي عانت طويلا من الانظمة الدكتاتورية المتعاقبة وحصاراتها الجائرة اثبتت ذالك،، فليس من المعقول ان تناضل هذه القوى من اجل انهاء المحاصصة في العراق وفي نفس الوقت تصفق لحكومة المحاصصة وقوات الحشد الشعبي المدعومة من ايران لانتهاكاتها ضد (الشعوب الكوردستانية التي تعاني اصلا من المجاعة والتهميش والبطالة والقمع والضائقة المعاشية الخانقة بسبب سياسة حكومتها الفاشلة ) ( وهنا اضع خط احمرعريض تحت كلمة (الشعوب الكوردستانية) واستثني القيادة الكوردستانية الأوليغارشية الفاسدة والمتورطة مع بغداد في مصادرة ارادة الشعب وتبديدها للثروة الوطنية ونهبها وتجويع الشعب وتورطها مع الحكومة العراقية في اتفاقات ثنائية بائسة (راجع بنود اتفاقية اربيل بغداد في 2007 )... 
نعم ليس من المعقول ان تطالب هذه القوى التقدمية باطلاق الحريات الديمقراطية، وفي نفس الوقت تسكت عن مظاهر التمييز السياسي والقومي والديني والطائفي والتدخلات الفظة في الشؤون العراق من قبل الدول الإقليمية، وخاصة بعد ان دخلت بغداد في اتفاق عسكري ستراتيجي مع تركيا بعد اجراء إستفتاء إنفصال أقليم كوردستان، ترعاه وتشجعه الولايات المتحدة، والذي يستهدف الهيمنة والتدخل في الشؤون الداخلية العراقية وشؤون الدول المنطقة، في حين كلنا نعرف ان موقف تركيا كموقف ايران محكوم بمصالحها ومطامعها وعدائها للحقوق القومية للشعب الكوردي داخل وخارج حدودها ( وقد اتخذت من نشاطات الحزب العمال الكوردستاني حجة مفضوحة لاجتياح الحدود العراقية وتدمير القرى الكوردستانية الامنة وحرقها بالقنابل والصواريخ الاميركية، اضيف إلى ذالك ان انقرة لم تكف يوما عن ترديد التصريحات التي تكشف مطامعها العدوانية في ارض العراق وثرواته، والمطالبة بعودة ولاية الموصل الى تركيا،وعليه تمنح نفسها حق الوصاية على تركمان العراق، فبدل ان تقف بغداد في وجه تركيا وسياستها ودعمها لداعش واخواتها ( راجع الوثائق الدولية ) من جهة، ومواصلة سياستها التعسفية في مجال المياة ورفض الاعتراف بان ( الدجلة والفرات ) نهرين دوليين، وسلبهم حقوق العراق عن طريق بناء السدود وحجب ما يستحقه العراق من المياة من جهة ثانية، وبدل ان تطالب الحكومة بسحب قواتها ومعسكراتها في اقليم كوردستان، تتفق بغداد مع أنقرة لتطبيق إجراءات عقابية ضد كوردستان العراق، إثر إجراء استفتاء الاستقلال بذريعة ان الطرفين ( انقرة وبغداد )، هدف لسياسة ( المتمردين والانفصاليين المدعوميين من اسرائيل ) في ( شمال العراق )....!! 
نعم، ليس من المعقول ان تطالب القوى التقدمية والديمقراطية بانهاء الفساد ومحاكمة المتورطين بنهب اموال الشعب، وفي نفس الوقت تُصفق لـ(حيدر العبادي، القائد العام للقوات المسلحة في دولة الميليشيات،وتصفها بالقائد (المحنك والحكيم)، في حين ان ( العبادي ) يتصدر قائمة السراق المتفسخين الذين نهبوا واستغلوا مناصبهم لمصالحهم الشخصية ونهبوا اموال الشعب وكدسوها في مصارف الدول الاوروبية اسوة بسراق ومتفسخين اخرين في بغداد واربيل؟ (راجع تصريح الرئيس الامريكي ترامب الذي قال: ان أموال المسؤولين العراقيين في مصارف أمريكا ستصبح حصة الشعب الأمريكي ). 
اقول مخلصا: أن نكسة 16 تشرين الاول 2017، والاذى والاهانات التي لحقت بالمواطنين في هذه المناطق المغدورة من قبل الميليشيات الطائفية المدعومة بالحرس الثوري الايراني لم تُخلف سوى التعقيدات والمعضلات بين الشعبين ( الكوردي والعربي )، إضافة الى الاذى الذي لُحق بالسكان المدنيين العزل وامامنا في هذا الصدد ماحدث في ( خورماتوو وتازة وداقوق وخانقين وشنكال وكركوك ) من أعمال تدمير ونهب للمنازل والمتاجر والمكاتب السياسية، ونزوح قسري لألاف المدنيين وحرق البيوت والدكاكين ) بعد عن سيطرة القوات الامنية والحشد الشعبي المدعوم بقوات الحرس الثوري الايراني على كركوك وعدد من مناطق الاخرى.
ان هذه الاحداث الدموية اثبتت من جديد حقيقة مفادها: الى ان تبقى بغداد غرفة عمليات مشتركة لقوات الحشد الشعبي والحرس الثوري الايراني )، والى ان تظل الاسلحة بيد الميليشيات الحشد المدعومة من القوات الحرس الايراني والذي يبلغ عدد قواتها اكثر من 130 ألف مقاتل، بحسب تصريح (كريم النوري) القيادي بالحشد الشعبي لـ(بي بي سي)(1 )، وإلى ان تبقى القوى الديمقراطية والتقدمية تكيل بمكايل..( تطالب بنظام مدني ديمقراطي يضمن حقوق الجميع، وفي نفس الوقت تسكت عن جرائم الحشد الشعبي بحجة بسط السيطرة بالقوة على مناطق متنازعة عليها )، الى ان نبقى نصفق للشوفينة والعنصرية بحجج واهية، الى ان نبقى نعاقب الشعب بدل القيادات الفاسدة، الى ان نعمل من اجل صنع الدكتاتور والطغاة في ( بغداد واربيل )، الى ان نخلط الاوراق عمدا، الى ان تتحكم سياسة الغاء الاخرعلى سياسة قبول الاخر في عراق مابعد ( صدام وحزبه الفاشي )، الى ان لانتبع اسلوب التغيير اللاعنفي، الا ان لانفرق بين القيادات الفاسدة والشعب، الى ان ندعم الكراهية والعنصرية، الى ان نرفض التسوية السلمية العادلة، الى ان نشجع ونفتح الباب امام (عسكرة العراق) بحجج واهية ، الى ان نبقى بيادق بيد ايران وتركيا، الى ان نسمي الطفيليين والبيروقراطيين والاوليغارشيين بالقادة ورجال المواقف الحاسمة، الى ان نبقى نصفق لثقافة الفرهود وحرق المقرات ونهب ممتلاكات المواطنيين ومداهمة بيوتهم بحجة محاربة (المتمردين والانفصاليين التابعين للصهيونيّة والإمبرياليّة في شمال العراق )، الى ان نسكت عن جرائم القيادات الكوردستانية الفاسدة بحق الشعب، ستبقى كوردستان وسيبقى العراق، بلد الميليشيات والاحزاب الفاسدة والناهبة لثروت الشعب، سيبقى العراق، بلد النزاعات الشوفينية والتعصب القومي والديني والطائفي والعنصري، سيبقى العراق، بلد وحدات الحشد الشعبي التي تدعمها طهران والتي انبثقت عن مكتب رئيس الوزراء العراقي لإضفاء الطابع المؤسساتي على التعبئة الشعبية ومنحها صفة رسمية مقبولة كظهير للقوات الأمنية العراقية زورا وبهتانا. 
حكومة أقليم كوردستان فشل فشلا ذريعا و لم تحسن إدارة الإقليم لا السياسأ ولا اقتصاديأ: 
يجب ان لاتمر نكسة كركوك مرور الكرام، فالأعباء السياسية والاقتصادية والمعيشية باتت كثيرة ومترامية الأطراف بسبب سوء تقدير الحزبين ( الاتحاد الوطني والديمقراطي الكوردستاني ) للوضع وما يحمله من مخاطر جدية على الاقليم وشعبه ، وعليه نقول ، أن الحكومة الحالية في الإقليم لم تحسن إدارة الإقليم لا سياسيا ولا اقتصاديا ، وعليه من الضروري أن ينهض العقلاء من السياسيين في اقليم كوردستان ليأخذوا على عاتقهم مسؤولية الخروج من حالة الاحتقان السياسي ويطالبوا بتشكيل (حكومة انقاذ وطني من ذوي الكفاءات والشخصيات المعروفة وأشخاص مشهود لهم بالاستقامة والنزاهة وأصحاب الاختصاص في الملفات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ), لتحافظ على هيبة الإقليم وكرامة المواطن و تأخذ على عاتقها اعادة الاوضاع الطبيعية, وتجنب ( تقسيم الإقليم إلى ادارتين والعودة الى المربع الاول ) من جهة، وتعمل من اجل التمهيد الجدي لاجراء انتخابات حرة نزيهة بعد تأمين مستلزماتها السياسية والقانونية والفنية من جهة اخرى، فعن هذا الطريق يمكن منع تطاول حكومة المحاصصة والدول الإقليمية على الإقليم او جعله ورقة في صراعاتها, وخاصة بعد نكسة تشرين الاول والتي تعرضت كوردستان الى تهديد كبير وخطير نتيجة السياسة الفاشلة وعدم الإحساس بالمسؤولية من قبل حكومات الاقليم المتعاقبة والتي فشلت فشلا ذريعا في ادارة الإقليم وتراجعها عن المكتسبات التي تحققت بدماء الشهداء الابطال وعدم تحملها مسؤولية تبعات الإستفتاء. 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في اوائل يونيو 2014، اصدر المرجع الديني الشيعي (اية الله علي السيستاني) فتوى تدعو كل من يستطيع حمل السلاح الى التطوع في القوات الأمنية لقتال مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية وتجيز التعبئة الشيعية لدرء خطر هذا التنظيم، وهو ما وصف فقيها بـ( الجهاد الكفائي )، وأسست إثر ذالك لجنة لـ(وحداد الحشد الشعبي ) انبثقت عن مكتب رئيس الوزراء لإضفاء الطابع المؤسساتي على التعبئية الشعبية ومنحها صفة رسمية مقبولة كظهيرة للقوات الأمنية العراقية. ومن الجدير بالذكر ان عدد قوات الحشد الشعبي يبلغ حوالى 130 ألف مقاتل، يشكلون 45 فصيلًا متنوعا ، ويضم حوالى( 30 )ألف مقاتل سني، أما بقية تشكيلاته فتسهم فيها فصائل متعددة منها منظمة بدر بنحو 24 ألف مقاتل، بينما تساهم قوات كتائب حزب الله العراقي بأكثر من 8 آلاف مقاتل. ويبلغ عدد جنود "سرايا السلام" نحو 6 آلاف جندي، بينما تساهم "عصائب أهل الحق" بـ 10 آلاف مقاتل، اضافة الى تشكيلات كثيرة اخرى (حسب تصريح القيادي بالحشد كريم نوري )، ووفقا لمركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية العراقية، تقدر فصائل الحشد الشعبي بـ(67 )فصيل.