لم يكن مسعود البارزاني مجرد مغامر حين أصر على إجراء استفتاء ليقول شعبه كلمته في البقاء ضمن العراق الاتحادي أو الانفصال في دولة مستقلة تتمتع بحسن الجوار مع جيرانها من العرب والفرس والاتراك، وعلى من يزعمون ذلك قراءة نتائج الاستفتاء حيث أيد الاستقلال أكثر من تسعين بالمئة من الكرد في إقليمهم المتمتع بحكم ذاتي أقرب إلى الدولة منذ سقوط نظام صدام حسين الذي ارتكب بحقهم من الجرائم ما لايعد ولا يحصى، ما يعني أن التطلع إلى دولة قومية للكرد لم يكن مجرد رغبة بارزانية تفنن كثيرون في اختراع مسبباتها بقدر ما هي إرادة جماهيرية أكدتها صناديق الاقتراع.

ترك مسعود البارزاني رئاسة الاقليم التي تحولت سريعا إلى "غنيمة" يتبارز كثيرون للفوز بها مستقوين دائما بهذه العاصمة أو تلك وساعين لنيل رضى بغداد بإلصاق تهم ما أنزل الله بها من سلطان بالرجل الذي اختار الانحياز الى إرادة شعبه وهو يؤكد أنه يترك منصب الرئاسة ليعود "بيشمرجه" يناضل في سبيل طموحات أمته متجاهلا كل المواقف المعادية ومستعدا كما كان دائما للتضحية في سبيل بلوغها ومؤكداً المقولة المأثورة أن لاصديق للكرد غير الجبال.

هل فقد مسعود البارزاني موقعه كزعيم كردي تاريخي؟ سؤال يجيب عنه الكثيرون بتسرع مقصود وكيدي، لكن المؤكد أن الرجل انتقل من موقعه كرئيس إلى الموقع الأكثر تأثيراً ونفوذاً حيث احتل موقعه كزعيم سيذكر له التاريخ أنه لم يفرط بالثوابت الوطنية والقومية، وإذا كان بعض الكرد يحتفلون اليوم بابتعاده عن موقع الرئاسة فإن في ذلك الدليل على ديمقراطية رعاها وتبناها، وإذا كان بعض أنصاره رفضوا "خيانة" البعض له ولهم ولكل كردي فقاموا بأعمال شغب كردة فعل فان المؤكد أنه يرفض ذلك والدليل أن "حكومته" تقف ضدها وتدينها وإن كانت بفعل الظروف الاستثنائية غير قادرة على منعها.

الواضح اليوم أن كاك مسعود بإصراره على الاستفتاء تمكن من دفع آمال وطموحات أبناء أمته خطوات الى الأمام بانتظار الفرصة المواتية التي قدر أنها اليوم قبل أن تخذله مواقف دول الجوار المنتمية فقط للمصالح وليس المبادئ، وبغض النظر عن شخصية من يخلفه في موقع الرئاسة فإن البارزاني مسعود سيظل رمزاً لا منافس له، وسيظل تأثيره بارزاً على الوضع في كردستان، نظراً للشعبية التي يمتلكها ولا ينافسه فيها أحد. ومهما يكن مستقبله وحتى لو أصبح خلف والده كأب روحي للكُرد، فإن إصراره على الاستفتاء باعتباره خطوة رائدة لتقريب شعبه من حلمهم للاستقلال وتأسيس دولة سيظل نقطة تحول في تاريخ القضية الكردية سيكون لها بصمتها في مستقبل المنطقة وستفرض ظلها على سياسات دول إقليمية وعالمية.