جرجيس كوليزادة

اليوم نجد امبراطور النفط الكردي وصاحب بدعة الاقتصاد الذاتي الذي خلف مسعود البرزاني لحكم اقليم كردستان يعود من جديد بصفة رئيس الوزراء مع نائبه من عائلة الطالباني الى دفة الحكم وذلك بتأييد من بيان رسمي مختوم من الولايات المتحدة، ويأتي هذا الدعم بعد ان كاد ان يزاح به نتيجة افرازات النكبة المشؤومة الناشئة عن الاستفتاء، وهذا القيادي في الحزب العائد للبرزاني بموقع نائب الرئيس هو الذي جلب الويلات والأزمات الخانقة المعيشية والحياتية والاقتصادية على كرد العراق، ولكن تكليفه بالمرحلة الانتقالية مؤشر غير ايجابي لصالح الاقليم لان هذا الناهب الفاسد المارق لا يوثق به مطلقا لقيادة مرحلة ما بعد نكبة الاستفتاء، وهي مرحلة خطيرة وحساسة تكالبت فيها كل اعداء الكرد ضد وجوده وكيانه الفيدرالي المثبت بالدستور العراقي الدائم.

هذا الامبراطور الناهب للنفط الكردي مازالت اوراقه تلمع وتلعب وتحمل بريقا في بورصات الطاقة والسياسة الكردية والعراقية والاقليمية، ولهذا ذكر اسمه في البيان الامريكي مع اسم نائبه من حزب الطالباني للادامة بحكومة النكبات والانتكاسات والازمات لحين اجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في نصف العام القادم، ويبدو ان هذا اللاعب السياسي المخضرم قادر على بيع بطاقاته في لعبة قمار السياسة وفي دكاكين ساسة الاحزاب الكردية في اربيل والسليمانية الذين لا بعرفون غير لغة العربدة والفساد وجمع اموال الحرام على حساب الملة المسحوقة وبوضح النهار المبتلي بفساد الحزبين الحاكمين في الاقليم.

هذا الدكتاتور الشاب وبالرغم من ارتكابه جرائم شنيعة وانتهاكات صارخة للقانون والدستور الدائم لصالح مصالحه ومافياته، جعل من النهب العملاق للنفط ولموارد الاقليم المالية منبعا لثراء غبر شرعي بما لا يوصف وبما لا يعد، وعلى مدى عقدين واكثر من الزمن الرديء، وجعل من الحكومة أداة ساخرة بايدي العصابات والمافيات والمجموعات الحرامية، وجعل من شعب الكرد امثولة لمجتمع الصم والبكم الذي لا يصحو ولا ينهض ولا يرضى ان يقول آه او ينطق بكلمة حق ضد سلاطين الفساد في الامارة الكردية المنخورة.

ولكن مع كل هذه المساويء للامبراطور الكردستاني فان المعادلات السياسية بمنطقة العراق والاقليم جعلته في خيار الموقع الاول لادارة حكومة الاقليم في مرحلة ما بعد نكبة الاستفتاء، وذلك لحين اجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في السنة اللاحقة، ويبدو ان هذه الفرصة ممكن حساباها ضمن الفرص التاريخية للامبراطور المحظوظ، ولكن هذه الفرصة لا يمكن استثمارها الا بتوبة نصوحة صالحة من رئيس الحكومة امام كرد العراق وامام رب العالمين وامام البرلمان مع تبني خارطة طريق للتوبة الحقيقية الصادقة وللاصلاح الجذري وذلك لنيل رضا الشعب والله وللدخول في التاريخ من اوسع ابوابه، وخارطة التوبة والاصلاح هي كالاتي:

(1): اطلاق مبادرة شخصية من قبل رئيس حكومة الاقليم للاعلان عن التوبة وطلب المغفرة والسماح والعفو من ابناء الكرد ومن رب العالمين ومن برلمان الاقليم، وذلك لاعادة الثقة المعدومة بين المواطن وبين الحكومة، ولضمان اطمئنان الانسان الكردي بان مرحلة ما بعد الاستفتاء فعلا هي ليست ما قبلها فيها توبة واصلاح حقيقي.

(2): الاعلان الرسمي امام برلمان كردستان بالتبرع عن ثلاثة ارباع مجمل ثروات رئيس الوزراء وممتلكاته وموارده وشركاته وكتله المالية العملاقة في داخل الاقليم وخارجه، وايداع كل الاموال المنقولة وغير المنقولة في صندوق الحكومة، وجعل هذا مصرفا مركزيا للاحتياط المالي الحكومي، وعلى ان تشرف عليه هيئة مشتركة من البرلمان والحكومة والسلطة القضائية وكبير مستشارين من منظمات المجتمع المدني.

(3): تطبيق خطة شبيهة بخطة ولي العهد السعودي للقبض على كبار اثرياء الفساد في الاقليم من العائلتين البرزانية والطالبانية وكل العوائل المتنفذة وكل المسؤولين والوزراء والمدراء العامين والمدراء ومسؤولي الاجهزة العسكرية والامنية، وكل من ارتقى سلم ثراء المال الحرام على حساب الشعب الكردي.

(4): تأميم شركات الاتصالات والشركات النفطية وجميع الشركات التي تزيد رأسمالها وكتلتها المالية عن مليون دولار، وفرض رسومات سنوية بنسبة خمسين بالمائة على ايراداتها السنوية، وتخصيص نسبة خمسين بالمائة من ارباحها الى العاملين فيها.

(5): تكليف برلمان كردستان من خلال ممارسة متسمة بالدقة والمهنية العالية لاجراء تحقيق شامل عن نكبة الاستفتاء الكردي، وذلك لمعرفة وتحديد ماهيتها وأسبابها ونتائجها وطرق معالجتها ووسائل الخروج من اثارها، ودراستها بالتفصيل للخروج برؤية واقعية تحليلية عملية عن النكبة الحاصلة بعوامل داخلية وخارجية.

(6): التوجه الصادق من قبل الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة الاقليم في اربيل الى الحوار البناء، وذلك لمعالجة المسائل الخلافية والعالقة بين الطرفين استنادا الى الدستور، واحترام المصلحة العامة والحقوق الدستورية لكل طرف، والالتزام الجاد بها.

(7): فتح باب الحوارات بين بغداد واربيل بجميع مستوياتها السياسية والحكومية والنيابية، بين مجلس النواب وبرلمان كردستان، بين الاحزاب العراقية والاحزاب الكردستانية، بين حكومتي بغداد واربيل، وذلك لارساء علاقات حقيقية بناءة ومتينة بين الطرفين.

(8): الاعلان بوضوح لا لبس فيه عن مصير اعمال وزارة الموارد الطبيعية وموقف وزيرها، وبيان حقيقة موقع الاقليم وحكومته من اتفاقيات النفط المعقودة بين اربيل وشركات النفط العالمية والاقليمية والتركية، ومصير الديون وحجمها وموقف حكومة بغداد منها.

(9): اخضاع اعمال وادوار ونشاطات ممثلي الكرد من جميع الاحزاب الكردية في مجلس النواب والحكومة الاتحادية ورئاسة الجمهورية الى المتابعة والمساءلة والمراقبة من قبل رئاسة برلمان كردستان ومن خلال لجنة متخصصة ملمة بالقضايا الدستورية.

(10): تحديد لجنة من ممثلي الاحزاب الكردية الاعضاء في مجلس النواب العراقي لمتابعة القوانين والقرارات النيابية والحكومية ومدى ملائمتها لخدمة اقليم كردستان، وتقديم الطعون الدستورية عليها الى المحكمة الاتحادية والرئاسات في حالة مخالفتها للنصوص.

(11): التدقيق الصارم في عدد وسجلات عدد الموظفين والبيشمركة في الاقليم، واجراء مراجعة قانونية دقيقة لاضابير التعيينات، واخراج المخالفات بشأن التعيينات الكيفية واللاقانونية الحاصلة بعشرات ومئات الالوف، وبخصوص اضافات سنوات الخدمة الممنوحة الى افراد بمئات الالوف دون وجه حق قانوني، وبصدد الترقيات والاحالة اللاقانونية على التقاعد، وغيرها من المخالفات الادارية الشنيعة.

(12): امتصاص اثار النكبة الحاصلة بهدوء وعقلية منفتحة، وتسخير جميع القدرات والامكانيات والمطالبة بتوفير الامن والاستقرار والسلام الى المناطق المتنازع عليها والمنزوحة منها، لاعادة المواطنين الكرد النازحين اليها وعدم ترك تلك المناطق لسياسات تعريب جديدة قد تتعرض لها بفعل تدخلات وتنفيذ خطط اقليمية من الدول المجاورة للاقليم..

هذا اضافة الى تطبيق النقاط المذكورة في مقالنا الموسوم "نكبة الاستفتاء الكردي مالها وما عليها" المنشور في هذا المنبر الحر، وذلك من خلال التأكيد على اهمية المقترحات والملاحظات الواردة فيه، بغية التعامل بواقعية ومسؤولية مع جسامة الاحداث والتحولات التي يمر بها شعبنا الكردي.

هذه باختصار فرصة التوبة والاصلاح مطروحة امام رئيس حكومة الاقليم، وذلك مع طرح خارطة طريق للتعامل بجدية معها لاحداث انقلاب ذاتي جاد وعميق على الذات وعلى النفس الامارة بالسوء، وذلك للخروج من قالب المسؤول والقيادي الكردي الفاسد الفاسق والناهب المارق الذي ضرب مثالا للابليس المارد بثوب الانسان الذي ضرب بالحائط كل القيم والمباديء الانسانية والوطنية والدينية، وذلك لأنه لم يعمل عملا صالحا غير النهب العملاق لثروات وموارد الاقليم وطوال عقدين من الزمن، والشعب في صيام السكوت، ولهذا لابد من مرحلة جديدة للانقلاب على الذات السيئة، والكساء بثوب اخلاقيات انسانية حقيقية تمهد لنهوض شعب الاقليم بسلامة للتعافى والخروج بروحية حية ترسم ملامح غد افضل، وخير ما نختم به هو قول جل جلاله "وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ"، ومن الله التوفيق.