الخبر العادي أن الإعلام القطري يروج الأكاذيب ويزيف الحقائق من أجل اقناع الشعب القطري المغلوب على أمره بأمور لا صلة لها بما يحدث في الأزمة التي تسببت فيها قيادته، أما الخبر غير العادي فهو أن تشارك القيادة القطرية بنفسها في خداع شعبها وتكرار هذا الخداع وترديد المزاعم مرة تلو الأخرى! ففي خطابه مؤخراً في افتتاح الدورة الـ 46 لمجلس الشورى القطري، قال أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إن علاقات قطر مع الدول الكبرى "أصبحت أفضل مما كانت عليه" قبل الأزمة الراهنة مع الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، ولم يكتف بذلك بل واصل هذا النهج قائلاً "لا نخشى مقاطعة تلك الدول لنا، فنحن بألف خير بدونها"! 

ونظراً لأن الشعب القطري الشقيق هو جزء من جسدنا الخليجي الواحد، فنحن نتمنى بالفعل أن يكون بخير، ولكن الواقع يقول بخلاف ذلك، لاسيما في ما يتعلق بأوضاع الدولة القطرية، التي تحولت إلى محمية تركية ـ إيرانية، يرتع فيها الحرس الثوري والجيش التركي، الذي قام بزيارته الرئيس أردوغان مؤخراً، وكذلك الاقتصاد القطري الذي يعاني تدهوراً غير مسبوق ترصده التقارير الدولية، وليس إعلام الدول الأربع كما تزعم وسائل الاعلام القطرية. يقول أمير قطر "اتبعنا سياسة ضبط النفس والاعتدال بالرد والتسامي فوق المهاترات والإسفاف"، وكأن من يخاطبهم يعيشون في كوكب آخر، وليسوا مطلعين على حملات التشويه الإعلامية التي يشنها الاعلام القطري الرسمي على الدول الأربع وقادتها ويسئ لها إساءات متواصلة وبإصرار يكشف حجم التآمر والحقد والغل؛ ثم يواصل الأمير ادعاءاته متهماً الدول الأربع بأنها أسيرة خطابها الإعلامي، وكأن العالم من حولنا لا يعرف من يستخدم فنون الدعاية الإعلامية والحرب النفسية منذ سنوات مضت في الضغط على الآخرين! ومن تحول طيلة تلك الفترة إلى أسير فخ الاعلام الذي نصبه لدول الجوار الخليجية والعربية!

بدلاً من أن يستغل أمير قطر وجوده أمام ممثلي شعبه ويصارحهم بالحقائق، أو على الأقل بجزء منها، بحيث لا ينزلق وراء آلته الإعلامية ويردد نفس خطابها وادعاءاتها، لجأ إلى أقوال كان كل من يجلس أمامه يدرك في قرارة نفسه أنها بعيدة عن الحقيقة ولا تلامسها من قريب أو بعيد!

هل صحيح أن أوضاع الاقتصاد القطري باتت أفضل من قبل؟ التقارير الدولية المتخصصة تشي بعكس ذلك، فهناك نحو 33 مليار دولار خسرتها البورصة القطرية منذ بداية الأزمة، كما هبطت أسعار العقارات بنحو 18%، بينما خسر الاقتصاد القطري نحو 40 مليار دولار من الاحتياطي المالي لمصلحة تعويض الخسائر الناجمة عن الأزمة، فضلاً عن الأصول التي تبيعها قطر من حصصها في الشركات العالمية، والتي بلغت حدود غير مسبوقة في الفترة الأخيرة.

إحدى كوارث الخطاب القطري انه لا يتجاهل فقط تدهور اقتصاد البلاد، بل لا يأخذ بالاعتبار أيضاً ما يدور من حوله إقليمياً، فالتطورات في المنطقة تتسارع بشكل يفوق التفكير الاستراتيجي القطري، ويبدو العقل السياسي القطري غائب عن فهم واستيعاب ما يدور في المنطقة، فقط مهددة بأنها تكون ضحية ألاعيب المؤامرات الإيرانية، التي تستخدم قطر مخلب قط لمناكفة دول مجلس التعاون والعمل على تقويض المجلس كمؤسسة إقليمية، فضلاً عن اثارة الخلافات والشقاق بين الشعوب الخليجية.

هل قرأت القيادة القطرية ما يحدث في سوريا والعراق ولبنان واليمن من تطورات متسارعة تجعل من أزمتها مع الدول الأربعة مجرد خبر في نهاية نشرات الأخبار، وربما يتم تجاوزه والقفز عليه في ظل حسابات الأهمية والأولوية للأحداث والقضايا الإقليمية، وهل يعرف الشعب القطري أن أزمته ستطول بسبب تعنت قيادته وغرور القوة الذي يصور لها أنها ستنتصر على الدول الأربع وتخرج من هذه الأزمة سالمة؟

لا اعتقد أن العقل السياسي القطري يستوعب ما يدور حوله من أحداث وتطورات متسارعة، ولا اعتقد أنه يأبه من الأساس بمصلحة الشعب القطري، وإلا لم يكن ليتورط في إغراقه في كل هذا الكم من التعقيدات والإشكاليات التي استنزفت، ولا تزال، ثروات الأجيال الحالية والمقبلة من القطريين.