في نهاية رائعة أميلي برونتي"مرتفعات وذرنغ"، وعندما يعود بطل القصة"هيثکليف"، وينجز إنتقامه بإستملاك المزرعة التي خدم فيها عبدا، لکنه يفقد الفتاة التي کان يحبها منذ طفولته، وبذلك لايکون لإنتقامه أي طعم و معنى له، ومع إنه يقبلها لأول مرة في حياته وهي ميتة، لکنها قبلة تجلت فيها کل أنواع تمزقه و ضياعه، تماما مثل الشعب العراقي، الذي هو أشبه بهيثکليف آخر، هيثکليف لم يتمزق و يضيع فقط وانما تشوه و صار شيئا و حالة جديدة غريبة و فريدة من نوعها يرثى لها.
العراق وبعد إنقلاب 14 تموز الدامي، والذي أدخل العراق من سيادة الدستور و القانون و الانتخابات الحرة الى متاهاة الانقلابات العسکرية المتتالية التي کان مسك ختامها إنقلاب 17 تموز، وبعد الاحتلال الامريکي للعراق و سقوط نظام حزب البعث و إعدام صدام حسين، کان الاعتقاد السائد بأن العراق سيمضي قدما صوب عهد جديد حقا و سيطوي الصفحة الدموية السوداء التي بدأت من 14 تموز 1958 و لحد 9 نيسان 2003، لکن، ليس لم يحدث شئ من ذلك بل وحتى شهد العراق عهدا و مرحلة أشبه بعهد القرامطة و ثورة الزنج.
العالم وفي القرن الواحد و العشرين، حيث التقدم العلمي المتسارع بخطى إستثنائية، فإن العراق الذي کان أول بلد عربي يمتلك محطة تلفزيون في عام 1956، نجده قاد عاد الى صفحة( الراوفض و النواصب)، والقتل و الذبح على الهوية، وفي خضم ذلك شهدنا خروج"خوارج"العصر الحديث و برز إلينا من سموه"مختار العصر"! و على هذا المنوال فقد بدأت حملة الانتقامات و الاقتصاص على خلفية طائفية ليس بوسع أحد نکرانها!
العراق الذي يعصف به الان الرياح العاتية القادمة من عهد(الروافض و النواصب)، فقد عادت قضية الخلافة من جديد ومن هو الاحق بها، وهي تفرض نفسها على الرغم من الادوار التي يمثلها بإتقان ساسة العراق(الجديد!)، أي إن العراق قد صار مشغولا و منهمکا بکشف الحقيقة؛ هل إن الدجاجة من البيضة أم البيضة من الدجاجة؟!
إيران و حزب الله اللبناني و الحوثيين، رموز السلام في المنطقة! هکذا ردت وزارة الخارجية العراقية على البيان الختامي لإجتماع وزراء الخارجية للجماعة العربية، حيث إنه وفي الوقت الذي يکاد أن يکون هناك إتفاق عربي و دولي بشأن الموقف من إيران و حزب الله اللبناني و الحوثيين، فإن وزارة الخارجية العراقية التي أثبتت بموقفها هذ المغاير للبلدان العربية، أين ومع من تقف، رغم إننا يجب أن نلفت االانظار الى حقيقة هامة وهي إن کل دعاوي و إختلافات ماقبل أکثر من 1400 عاما، قد خرجت من تحت عباءات رجال الدين الحاکمين في إيران، وبعد هذا أليس من الغريب أن يتساءل البعض: کيف يمکن للعراق الخروج من هذه الدوامة العفنة؟!